خطبة الجمعة 11 جمادى2 - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: الشهيد الصدر مفكرا


ـ قبل شهر تقريباً من الذكرى السنوية لاستشهاد المرجع الديني والمفكر الإسلامي الكبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر، رُفع الستار عن التمثال النصفي للسيد الشهيد في جامعة موسكو، بحضور شخصيات ثقافية وأكاديمية وسياسية روسية إضافة إلى بعض رؤساء البعثات الدولية والعربية.
ـ وكانت جامعة موسكو قد قامت بتصميم هذا النصب الذي وُضع مع نصب أخرى لكبار العلماء والمفكرين، باعتباره رمزاً من رموز العلم والحضارة البشرية، وهو النصب الوحيد لعالم عربي.
ـ ما الذي يدفع جامعة كهذه في موطن نشوء الشيوعية التي واجهها السيد الشهيد فكرياً، أن تكرّمه وهو المفكر العربي والإسلامي، ويتناساه العرب والمسلمون؟
ـ واللافت أيضاً أنه في عام 1980م أقامت جامعة كييف ـ أبان العهد السوفييتي ـ له حفلاً تأبينياً بمناسبة مرور أربعين يوماً على استشهاده، لكونه خير من نقد الفكر الماركسي والرأسمالي في العالم.
ـ سأذكر 3 شواهد لبيان ماذا كان يمثل الشهيد الصدر في العالم العربي والإسلامي كمفكر بغض النظر عن سائر جوانب شخصيته العبقرية والروحية والحركية، لندرك حجم ظلامة التجاهل التي تمارس بحقه.
ـ الشاهد الأول: أن أحد رؤساء الدول العربية على عهد الشهيد الصدر كان يفكّر في مواءمة الأنظمة والقوانين في بلاده بما يوافق الشريعة الإسلامية، وكان يرى بأن المعضلة الرئيسية أمامه كانت تتمثل في
تقديم هذه القوانين بصورة تتلاءم مع روح العصر ولا تتعارض مع قضايا مهمة من قبيل حقوق الإنسان.
ـ فأرسل مبعوثاً خاصاً للشهيد الصدر يطلب منه مساعدته للبحث عن مخرج، وقال المبعوث: (لقد بحثنا هذا الأمر وبذلنا جهوداً مكثفة فحصلت للسيد الرئيس قناعة كاملة بأن المفكر الإسلامي الوحيد القادر على تحمل أعباء هذه المسئولية الخطيرة هو سماحتكم).
ـ الشاهد الثاني: أنه لما كانت النية لتأسيس بيت التمويل الكويتي، تمت مراسلة عدد من فقهاء العالم الإسلامي، كان من أبرزهم الشهيد الصدر الذي بادر إلى كتابة جواب صدر بصورة كتاب (البنك اللاربوي في الإسلام)، وقدّم من خلاله أطروحته للخروج من مأزق التعاملات غير الشرعية في البنوك.
الشاهد الثالث: أنه بادر لوحده إلى كتابة (لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران) ليكون مسودة لدستور الجمهورية الإسلامية في إيران، وأرسل نسخة منه إلى الإمام الخميني بيد المرجع الحالي السيد محمود الهاشمي.
ـ ثم أعقبه بكتابة تصور عن التنظيم الاقتصادي للدولة الإسلامية في بحثين: الأول (صورة عن اقتصاد المجتمع الاسلامي) والثاني: (خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الاسلامي).
ـ لقد كان الشهيد السيد محمد باقر الصدر نبوغاً قلَّ نظيره، وتحدياً حضارياًً كأقوى وأمكن مَن خاض غمار هذا المعترك، ومشيّداً مدرسةً فكريةً استطاعت التصدي لنسف أسس الحضارة المادية المعاصرة، ونجحت في تقديم الحضارة الإسلامية شامخة على أنقاض تلك الحضارة المنسوفة، وعلى أسس قويمة وضمن بناء شامل ومتماسك.. وللأسف أن يتم تجاهله في عالمنا العربي والإسلامي المتشاغل بما يدمّر بقايا مقوّمات حضارته.. فرضوان الله عليه، وأعلى مقامه، وإن جهله الجاهلون، وتغافل عنه المتغافلون.