الحجاب الشّرعيّ وحجاب الموضة 1 من 3 - حوار مع المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله

معيار مشروعيّة الأزياء:
هناك الكثيرون ممن يطرحون الإشكالات حول الأزياء والموضات الحديثة. ما هو المعيار الّذي يمكن اعتماده في مشروعيّة هذا الزّيّ أو ذاك؟
ج: إنّني أتصوَّر أن إقحام الشّرع في هذه الأمور، هو إقحام في المواقع الّتي لا يعطي فيها أيّ رأي سلبيّ، فعندما تتحرَّك الطَّريقة الّتي يعيشها النَّاس في حياتهم الاجتماعيَّة باللّباس بهذا الشَّكل أو ذاك، فإنَّ الإسلام لا يتعقّد من ذلك.
وربّما يتحدّث بعض النّاس عن أزياء الكفّار، وعن حرمة التزيّي بزيّ الكافرين، ولكنّنا عندما ندرس المسألة جيّداً، نرى أنّ هذه الفكرة انطلقت في مرحلةٍ زمنيّةٍ كان يراد فيها التّفريق بين المسلمين، أيّام كانوا قلّةً قليلةً، والكافرين عندما كانوا كثرةً كاثرةً، حيث نقرأ في حديثٍ للإمام عليّ عليه السلام في نهج البلاغة، أنّه سُئِل عن قول النبيّ صلى الله عليه وآله: (غيّروا الشّيب، ولا تشبّهوا باليهود): هل يجب علينا أن نغيّر الشّيب بالخضاب؟! فأجاب عليّ عليه السلام: (كان ذلك والدّين قُلّ) يعني قليل (فأمّا الآن، وقد اتّسع نطاقه، وضرب بجرانه، فامرؤ وما اختار).
وربّما لاحظ بعض الفقهاء، أنَّ الحديث المرويَّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله: (حفّوا الشَّوارب، وعفّوا عن اللّحى، ولا تشبّهوا باليهود)، لم ينطلق على أساس حكم شرعيّ ثابتٍ على مدى الزّمن، بل كان منطِلقاً من حالة مرحليّة أريد فيها التَّمييز بين المسلمين واليهود، بسبب بعض المصالح الاجتماعيّة. أمّا الآن، وبعد أن أصبح المسلمون كثرةً في العالم، فإنّ المسألة لم تعد مسألة التّشبّه باليهود أو المجوس، بل راحت تنطلق لتدخل في نطاق الاختيار العمليّ، الّذي يمكن للنّاس أن يختاروا فيه ما يشاؤون.
الحجاب الأفضل:
بالنّسبة إلى حجاب المرأة (السّتر الشّرعيّ)، هناك من لا يرى الكفاية في أن تلبس المرأة الحجاب المعروف هذه الأيّام، ويقول إنّ الحجاب هو (الشّادور) أو (العباءة)؟
ج: إنّ الحجاب يمثّل مضموناً شرعيّاً يختزن في داخله نقطتين:
1. الجسد الّذي حرّم الله كشفه للأجنبيّ.
2. عدم التبرّج وخلق الإثارة.
أي يجب أن تكون ملابس المرأة بالشّكل الّذي إذا خرجت فيه إلى الواقع المختلط من الرّجال والنّساء، لا يظهر من جسدها شيء، وأن لا تكون طريقة اللّباس موحيةً بالإثارة الجنسيّة، الّتي تجعلها معرضاً للنّظرات غير الشّريفة. ولذا، فأيّ لونٍ من ألوان اللّباس الذي يجمع هاتين النّقطتين يعتبر شرعيّاً.
ولم يرد عندنا تأكيد على (الشّادور) أو (العباءة) أو غيرهما، لأنّ ذلك مما استحدثه النّاس، من خلال تقاليدهم الّتي قد تكون ناشئةً من أوضاع بيئيّة معيّنة، أو أوضاعٍ استحسانيّة معيّنة.
وعليه، فإنّ المسألة هي أن تخرج المرأة بطريقةٍ محتشمةٍ جامعةٍ للحدود الشّرعيّة من جهة، وأن تظهر بمظهر الإنسانة بدلاً من مظهر الأنثى، وليس هناك حجرٌ على أيّ شكلٍ من أشكال اللّباس في هذه الدائرة.