خطبة الجمعة 4 جمادى2 - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية : حذارِ من مكر اليهود


قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آل عمران:118-120].
ـ قال الطبرسي في مجمع البيان: (نزلت في رجال من المسلمين كانوا يواصلون رجالاً من اليهود لما كان بينهم من الصداقة والقرابة والجوار والحلف والرضاع).
ـ والمواصلة كانت بكشف أسرار المسلمين وقضاياهم الخاصة وخططهم في مواجهة أعدائهم.
ـ فجاءت الآية تحذيراً للمؤمنين من مغبة الاستسلام للثقة الساذجة بهم، لأن هؤلاء اليهود في واقعهم إنما يكيدون للإسلام والمسلمين، ويحملون في داخلهم الحقد والعداوة اللامتناهية.
ـ وهي تطالب المسلمين بأن يواجهوا الواقع بوعي.. ادرسوا بشئ من التمعن الخلفيات العقائدية والسياسية لهؤلاء اليهود.. بل تبصّروا في واقع حركتهم، وحينها ستجدون أن هؤلاء اليهود لا يريدون لكم الخير أبداً.
ـ (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) من خلال ما يظهر من فلتات ألسنتهم المعبِّرة ـ تلقائياً ـ عمّا
يضمرونه في داخلهم، لأنَّه من الصعب على الإنسان ـ حتّى في حالات الحذر ـ إخفاء ما يضمره في نفسه، وبتعبير أمير المؤمنين(ع): (ما أضمر أحدٌ شيئاً إلاَّ ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه).
ـ أليس في هذا دلالة لكم عن نواياهم الخبيثة؟! فكيف تتخذونهم أولياء تختصونهم بالاطلاع على باطن
أمركم، وتجعلونهم موضع ثقتكم وسرّكم؟
ـ وفي التعبير بالبطانة دلالة رائعة على عمق الخطر المحدق بالإنسان، لأنه الجزء الملاصق للجسد بخلاف الظهارة، فكيف تأمنونهم؟
ـ بل إنكم لو تعلمون ما يُضمره هؤلاء اليهود نحوكم، لكنتم أشد فزعاً عندما تكتشفون عمق خطرهم، فإن ما تُخفي صدورهم أعظم مما يظهر على فلتات لسانهم.
ـ إن ما يلخّص مشاعرهم وأمنياتهم ومساعيهم بحقكم هو أنهم (لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً) ولا يقصّرون في أي أمر يمكنه أن يلحق بكم الضرر الشديد ويدمّر مواقع القوة عندكم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ) فالسعادة تغمرهم في كل لحظة تعيشون فيها الآلام وتواجهون فيها المتاعب.
ـ أيها المسلمون كفّوا عن السذاجة التي تتعاملون بها مع هؤلاء.. إنهم ليسوا بسطاء كما تتصورون، ولا هم من طاهري القلوب والنيات، وقد جعل الله لكم الصورة بيّنة واضحة، فحركوا عقولكم قبل أن تندموا.
ـ قبل يومين نُشر تقرير عن قرب احتمال عقد اتفاقية سرية للتعاون الأمني والمخابراتي بين دول الخليج وإسرائيل.. هذا التقرير إن صح، فلا يملك الإنسان أن يقول أكثر مما قالته الآية الشريفة.
ـ وإذا كانت بعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي عازمة على ذلك، فإننا نتطلع أن تقف الكويت موقفاً متميزاً عنوانه الممانعة، كما اتخذت موقفاً متميزاً حكيماً في ما يتعلق بالموقف من قطر ومن إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمةً إرهابية.
ـ لقد عاش المسلمون في تاريخهم الماضي وفي تاريخهم المعاصر كثيراً من الحالات العاطفية التي تحوّلت إلى نكسات وهزائم اجتماعية وسياسية، لأنَّهم خضعوا للأجواء السطحية، فتخلّوا تحت وطأة ذلك عن كثير من مواقعهم.. وما التجربة المريرة للسلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني في نطاف ما يُعرف بعملية السلام إلا تجربة حية ومريرة. فهل لنا أن نتّعظ وقد قال تعالى: (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)