خطبة الجمعة 4 جمادى2 - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: معالم الشخصية المؤمنة في خطبة الزهراء (ع)


ـ في خطبة الزهراء(ع): (فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام، وذلاً لأهل الكفر والنفاق، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبرّ الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفّة، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية).
ـ قد نعالج هذه العناوين التي ذكرتها الزهراء(ع) كلاً على حدة، وسنخرج بنتائج تتعلق بكل عنوان منها.
ـ ولكن لو قرأنا هذا المقطع كوحدة واحدة، وجمعنا النتائج الإيجابية التي ذكرتها الزهراء(ع) فستكون معالم الشخصية المؤمنة كالتالي:
1ـ إنسان ينطلق في الحياة من خلال قاعدة إيمانية توحيدية، تدفعه إلى التوحيد في العبودية، والإخلاص في الربوبية، بحيث يؤمن أن المشرِّع الحقيقي هو الله، وأن هذه التشريعات لم تأت عبثاً، بل جاءت لتصلح حاله. (فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك... وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية).
ـ والانطلاق من هذه القاعدة تجعله ملتزماً بأوامر الله ونواهيه فيكون كالتالي:
2ـ إنسان متواضع ليّن الجانب، طاهر القلب: (والصلاةَ تنزيهاً لكم عن الكبر).
3ـ يترفع عن الماديات فلا تملكه، ويملك المال فلا يبخل به: (والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق).
4ـ حريص على أن يكون مخلصاً لله في أعماله الصالحة، بعيد عن الرياء وتوظيف الدين لخدمة مصالحه الشخصية: (والصيامَ تثبيتاً للإخلاص).
5ـ غيور على الدين فيسعى لتقوية مواقعه، ويوظف العبادة الجماعية لتكون عنوان عز للإسلام ووحدة بين المسلمين: (والحجَّ تشييداً للدين).
6ـ العدل بالنسبة إليه أساس الحياة، وبه تنتظم العلاقات ويسود الأمن في المجتمع، وتتحقق التنمية بتعاضد جهود أفراد المجتمع حكاماً ومحكومين: (والعدل تنسيقاً للقلوب).
7ـ مسلم يؤمن بالموقع المتقدم لأهل بيت النبوة بالاصطفاء الإلهي في المرجعية الدينية والحاكمية، لما امتازوا به من صفات تجعل الانقياد لهم عن طاعة وتصديق سبيلاً للحفاظ على الكيان الإيماني الواحد والقوي للأمة: (وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة).
8ـ وهو على أهبة الاستعداد للتضحية بالجهاد في سبيل الله، لأن الدين عنده فوق المصالح الشخصية، وهو لا يرضى أن يرى قوى الكفر والنفاق متغلبة على الإسلام وفي موقع الاستعلاء عليه: (والجهاد عزّاً للإسلام، وذلاً لأهل الكفر والنفاق).
9ـ وهو يستعين على ذلك كله بالصبر ويتطلع إلى الآخرة حيث ينتظره الأجر الجزيل بلا حساب جزاءً حسناً لصبره: (والصبر معونة على استيجاب الأجر).
10ـ ثم إنه يشعر بالانتماء القوي إلى مجتمعه، فيعمل على نشر المعروف بالحكمة والموعظة الحسنة، ليغلق بذلك أبواب الشر عنه، فإن الخلل الذي يصيب المجتمع سيعود عليه شخصياً بالشر، كما أنه يدرك أن الأمر بالمعروف جزء من مسؤولياته ومن معالم شخصيته التي صنعها الإسلام: (والأمر بالمعروف مصلحة للعامة).
11ـ وهو البار بوالديه عرفاناً للجميل، وخوفاً من عقوبة الله: (وبرّ الوالدين وقاية من السخط).
12ـ والواصل لرحمه بأنواع الصلة، لما فيها من الخير له:(وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد)
13ـ إنه يُدرِك أن القانون لابد أن يسود وأن يأخذ مجراه بحق من يخرج عليه، لأن في العقوبة تأديب وحياة وصلاح للمجتمع وضمانة من اختلال الأمن: (والقصاص حقناً للدماء).
14ـ إنه يتحمل مسؤولية كلماته ووعوده، فحينما ينذر لله، يفي بنذره، أو حينما تترتب عليه عقوبة مالية تعويضية أداها، كل ذلك طلباً للمغفرة: (والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة).
15ـ كما أنه الأمين في التعاملات التجارية، الذي لا يفصل الدين عن دنياه: (وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس) لأنه الربح المحرم ضرر للمجتمع، وسيعود أثر هذا الفساد عليه.
16ـ المتجنب للمسكرات احترماً لعقله، ولأنها لا تجلب إلا الفساد بأنواعه، وتُسقط الإنسان في مهاوي الرذائل: (والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس).
17ـ عفيفَ اللسان فلا يتهم الناس بالباطل خوفاً من سلب الرحمة الإلهية عنه وعن المجتمع: (واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة).
18ـ عفيفَ اليد فلا يمد يده على مال الغير أو المال العام سرقةً أو اختلاساً: (وترْكَ السرقة إيجاباً للعفّة).
هذه هي معالم الشخصية الإيمانية التي يصنعها الإيمان والالتزام بالعمل الصالح كما أراد الله سبحانه، وليقيّم كل منّا حين يقول أنه من شيعة الزهراء ويستحضر سيرة الزهراء، ويحيي ظلامة الزهراء إلى أي مدى نجح في صناعة شخصيته وفق هذه المعالم، كما أراد الله، وكما بيّنت فاطمة سلام الله عليه.