خطبة الجمعة 26 جمادى1 - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: الصلاة والكبر


ـ في خطبة الزهراء(ع): (فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكِبر).
ـ من يرصد سلوكياتنا يلحظ أن صفة الكبر حاضرة بقوة، وعلى مستويات مختلفة، تجد انعكاساتها في التعامل في الشارع، وفي السوق، وفي الإدارات، وأحياناً يكون مشفوعاً بوقاحة، وكأن المتكبر يقول لك: من حقي أن أتكبر عليك، وعليك أن تذل أمام عنجهيتي، وتقبل بها صاغراً، ويكيل إليك من الكلام والتصرفات ما يسئ لك، وعليك أن تقبل، ويستغرب أنك تحتج على سلوكه غير المقبول.
ـ ولكي نستكشف حجم الخطر المترتب على الكبر نسترجع كلمات أمير المؤمنين(ع) في بداية الخطبة القاصعة وهو يتحدث عن عدو الله إبليس: (فَعَدُوُّ اللهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ، وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ، وَنازَعَ اللهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ، وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ.. أَلاَ تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اللهُ بِتَكَبُّرِهِ، وَوَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ، فَجَعَلَهُ فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً، وَأَعَدَّ لَهُ فِي الآخِرَةِ سَعِيراً؟! فَاعْتَبِروا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللهِ بِإِبْلِيسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ، وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ، وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَة، لاَ يُدْرَى أمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الاْخِرَةِ، عَنْ كِبْرِ سَاعَة وَاحِدَة. فَمَنْ بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ؟ كَلاَّ، مَا كَانَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْر أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً، إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ السَّماءِ وأَهْلِ الاْرْضِ لَوَاحِدٌ، وَمَا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ أَحَد مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ حِمىً حَرَّمَهُ عَلَى الْعَالَمينَ. فَاحْذَرُوا عَدُوَّ اللهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِهِ، وَأَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ، وَأَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ).
ـ والسؤال: أتتوقع أن أغلب من يعيشون هذا الشعور بالكِبر، وينعكس على سلوكهم، من غير المصلين؟ أنا شخصياً لا أتوقع ذلك.. فأين تكمن المشكلة، والحال أنه يُفتَرض بالصلاة أن تعالج هذه المشكلة؟
ـ يبدو أن للمسألة علاقة في حقيقة ما يؤديه هؤلاء الناس، حيث لا تعدو أن تكون حركات وأقوال جامدة بلا حياة، منزوعة الروح، وإلا فيُفتَرض بها أن تهذّب المصلي في هذا الإطار منذ بدايتها بقول: (الله أكبر).
ـ وهكذا عندما يطأطئ رأسه، إذلالاً في حال الركوع، معظّماً الله فعلاً، وبقول: (سبحان ربي العظم وبحمده). ثم يطأطئ من جديد في حالةٍ أشد خضوعاً وإذلالاً تتمثل في السجود واضعاً جبهته على الأرض. ـ ومع كل حركة وانتقال يكرر قول (الله أكبر).. ألا يُفتَرَض بهذا أن ينزع عنه رداء الكِبر؟ ليس مع الله وحده، بل مع الخلق أيضاً، لأن الله الذي يكبّره ويخضع له في الصلاة قد أعلمه أن الكبرياء رداءه، ومن خاصمه رداءه أكبه في النار. وعدم التأثر يكشف أن الخلل في هذه الصلاة هو ذات الخلل في عبادة إبليس.
ـ إن العقوبة الشديدة للمتكبر تترتب لأن الكبر ليس مجرد شعور، بل هو انعكاس خارجي مدمر، قد تصل إلى الحد الذي أشار إلى بعض آثاره الإمام علي(ع) في تتمة خطبته معرّضاً بقابيل: (وَلاَ تَكُونُوا كالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّه) إلى أن قال: (وَنَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ الْكِبْرِ الَّذِي أَعْقَبَهُ اللهُ بِهِ النَّدَامَةَ، وَأَلْزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).