خطبة الجمعة 28 ربيع2 - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: مأساة أفريقيا الوسطى وزيارة إمام الأزهر


ـ عندما يضع الإنسان نفسه في موقع المسؤولية، فهذا يحتّم عليه أن يبحث عن كل السبل الممكنة لتحقيق مسؤولياته، وألا يكتفي بالطرق الروتينية والشكلية التي يدّعي من خلالها أنه قد حقّق ما هو مطلوب منه.
ـ عدم الالتزام بذلك يعني إما عدم كفاءة هذا المسؤول، وإما تراخيه عن تحمل مسؤولياته، وهو ما يجب أن يُحاسَب عليه.
ـ تعتبر منظمة التعاون الإسلامي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، وتضم في عضويتها (57) دولة عضواً موزعة على أربع قارات. وتعتبر المنظمة نفسها: (الصوت الجماعي للعالم الإسلامي، وتسعى لصون مصالحه والتعبير عنها، تعزيزاً للسلم والتناغم الدوليين بين مختلف شعوب العالم).
ـ ومن مسؤوليات هذه المنظمة وفق ما جاء في ميثاقها: (مساعدة الجماعات والمجتمعات المسلمة خارج الدول الأعضاء على المحافظة على كرامتها وهويتها الثقافية والدينية).
ـ فهل قامت المنظمة بمسؤوليتها ـ بالمعنى الحقيقي لتحمّل المسؤولية كما قدّمتُ ـ تجاه الوضع المأساوي الذي يواجهه المسلمون في جمهورية أفريقيا الوسطى؟
ـ قد يقال: ماذا فعلت المنظمة لقضية كالوضع القائم في سوريا حتى تفعل شيئاً للمسلمين في أفريقيا الوسطى؟ ولكن لربما يقال أيضاً أن حجم المشكلة وطبيعتها في سوريا فوق حجم وقدرات المنظمة.
ـ تشهد أفريقيا الوسطى منذ عدة أشهر عمليات وصفت بـ (التطهير الديني) ضد المسلمين على أيدي ميليشيات مسيحية، أدت إلى مقتل المئات ونزوح عشرات الآلاف خوفاً من عمليات القتل العشوائية.
ـ يشكل المسلمون نحو 15٪ من السكان، أي بحدود 750 ألف نسمة، وقد أدّت أعمال العنف الطائفية إلى إفراغ العاصمة تماماً من المسلمين، وبحسب مدير الطوارئ في منظمة (هيومان رايتس ووتش) فإنها (مسألة أيام وسيغادر جميع المسلمين أفريقيا الوسطى فراراً من العنف).
ـ مؤخراً تم الإعلان عن نية منظمة التعاون الإسلامي إيفاد وفد رفيع المستوى يقوده رئيس مجلس وزراء الخارجية في المنظمة، لزيارة عاجلة إلى أفريقيا الوسطى (لتقييم الوضع والتواصل مع السلطات والإسهام في الحوار والتقارب).
ـ وكالعادة تأتي الجهود متأخرة جداً، وغير ناجعة في أحيان كثيرة، ويغلب عليها الطابع الصوري والبروتوكولي، تماماً كما جاء في خبر ثوبان عن النبي(ص): (يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟! قال: بَلْ أَنتُمْ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنكُمْ، وَلَيَقذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ. فقال قائل: يا رسول الله! وما الوَهَن؟ قال: حُبُّ الدُّنيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوتِ).
ـ ولو نظرنا إلى واقع حال هذه الجمهورية لوجدنا أن إيرادتها السنوية في عام 2007 بلغت (250 مليون دولار) فقط، وبعجز قدره 23 مليوناً، وأن 62.4% من سكانها يعيشون على ما يقدر بـ 350 فلساً في اليوم الواحد! وذلك بحسب ما جاء في كتاب (حقائق العالم) الصادر عن CIA .
ـ ألم يكن بمقدور منظمة التعاون الإسلامي أن تشتري حق وجود المسلمين في بلدهم وضمان سلامتهم من خلال دعم موازنة الدولة ببضعة ملايين من الدولارات بصورة مشاريع أو قروض أو غير ذلك؟ وأعتقد أننا لو جمعنا موازنات الدول السبع والخمسين الأعضاء في المنظمة فإن الرقم سيكون فوق التصور..
ـ وبدلاً من إنفاق بعض الدول الأعضاء المليارات من الدولارات في خلق الفتن الداخلية وإشعال فتيل الأزمات، كان الأجدر بها الالتفات إلى الأقليات المسلمة التي تدفع ضريبة التعصب الديني وأطماع السياسيين والتنافس الحزبي في دولها بتلك الصورة المأوساوية التي يلخصها المشهد الإنساني في أفريقيا الوسطى، ومن قبلها (مسلمي الروهينجا) في بورما.
ـ لا أريد هنا أن أشجع على مكافأة مَن يقتل المسلمين ويهجّرهم ويضطهدهم، لتكون سنّة كلما أراد بلد ما أن يبتز المنظمة، ولكنها حالة وقائية استباقية للأزمات وعلى طريقة (اطعم الفم تستحي العين).
ـ الموضوع الثاني يرتبط بزيارة إمام الأزهر للكويت.
ـ عندما يقرر بابا الفاتيكان زيارة بلد ما للقاء أتباع المذهب الكاثوليكي فيه، فإن الاستعدادات تتم قبل عدة أشهر لترتيب البرنامج الذي يتم الإعلان عنه سلفاً عبر وسائل الإعلام، حتى إذا وصل إلى مقصده استقبلته الحشود الكبيرة (وقد تكون أحياناً مليونية) مرحبةً برمزها الديني الذي تتشوق إلى أن تستمع إليه في عظته الجماهيرية، وتتفاعل معه في صلواته، حين يربط ذلك كله بآمالهم وآلامهم.
ـ ولكن تفاجأنا قبل أيام بزيارة الإمام الأكبر شيخ الأزهر د. الطيب للكويت، والتي جاءت بصورة فجائية (وكتومة) على عكس ما نتتمناه وتقتضيه الظروف التي تمر بها الكويت، وتعيشها المنطقة ككل.
ـ كنت أتمنى لو أن الجهات المعنية استفادت من هذه الزيارة في ترسيخ المنهج الإسلامي المعتدل، والذي يمثل إمام الأزهر حالياً أحد أبرز أعلامه، وذلك من خلال عقد اللقاءات وإلقاء الخطب والمواعظ الجماهيرية والنصائح الأبوية من صاحب أعلى موقع ديني علمي عند المسلمين من أهل السنة.
ـ هذا من جهة، ومن جهة أخرى كنت أتمنى أيضاً لو أن الجهة المعنية بترتيب شؤون هذه الزيارة قد عملت أيضاً على ترتيب لقاء ودي بين علماء الشيعة في الكويت وبين إمام الأزهر، كخطوة في اتجاه محاربة خطاب الكراهية والتشنج والتكفير، وكرسالة قوية وواضحة لكل من يريد أن يزعزع حالة الأمن والتعايش والترابط الوطني من خلال الإثارات المذهبية التي ملأت وسائل التواصل الاجتماعي، وتتوعد بتكرار تجربة التكفيريين هنا وهناك.. أياً كان انتماؤهم المذهبي. ولا أدري أين يكمن الخلل، ولكنها فرصة مرت مر السحاب.. وضاعت معالمها في أروقة اللقاءات الرسمية والخاصة، فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟