خطبة الجمعة 21 ربيع2 - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: أثر اللين و التواضع


عن أمير المؤمنين علي(ع): (من لان عوده كثرت أغصانه) أو (كثفت أغصانه).
ـ هذا هو الأسلوب الرائع لأمير المؤمنين(ع) في تقديم الحكمة بصورة حسية اعتماداً على البلاغة اللغوية.
ـ في كتاب (شرح كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) لعبد الوهاب بن إبراهيم بن پير پاشا، وأبوه بحسب الظاهر (أمير إقليم أضنه) وقد بدأ كتابه هكذا: (ما نمقه عبد الوهاب في شرح كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام) ثم ذكر بيت شعر كالتالي:
كلامُ عليٍّ كلامٌ عليُّ وما قاله المرتضى مرتضى
ـ شَرَح الحكمة هكذا: (من كان ليِّن الطبع، ضعيف الفؤاد، بحيث لم يعاقب أحداً، ولم يؤدّبه على الذنب، تكثر أعوانُه وأتباعُه ويغلبون عليه من غير خوف ولا خشية، ويفعلون ما يفعلون من الفساد والأذية، فلا جَرَم يُخرجونه عن حد الاستقامة، ويُعيِّره الخلائق بالتوبيخ والملامة، كما أن شجرة إذا كانت لينة الجذعة وضعيفة الأصل تكثر أغصانها بحيث تغلب عليها وتجعلها معوجَّة غير مستقيمة).
ـ كما هو الحال عندنا في الوزارات والمؤسسات الحكومية وعند تطبيق القانون.
ـ وللأسف فإن بعض شبابنا باتوا يفضّلون بعض الوظائف الحكومية لا لشئ سوى لوجود حالة التراخي والتسيب وقلة العمل.. مؤسف حقاً أن يفكر الشاب بهذه الطريقة ويقتل طموحه وهو في بداية الطريق.
ـ الآن بغض النظر عن صحة تفسير الحكمة بهذه الصورة، ولكن الفكرة في حد ذاتها سليمة، وتتفق مع دلالة حكمة أخرى: (لا تكن ليناً فتُعصر، ولا تكن قاسياً فتُكسر)، وفي حكمة ثالثة: (سياسةُ العدل ثلاث: لينٌ في حزم، واستقصاء في عدل، وإفضال في قصد).
ـ وهذا ينطبق على رب الأسرة، والمسؤول في العمل، والحاكم وغيرهم.
ـ أما الشيخ ابن ميثم البحراني في (شرح مائة كلمة لأمير المؤمنين) فقال أن لين العود هنا للدلالة على: (التواضع وكرم الأخلاق وطيبها) وكثافة الأغصان للدلالة على: (شدة الشوكة وكثرة الإخوان والأعوان).
ـ وقال الشيخ ابن ميثم في شرح نهج البلاغة: (والمراد أن من كانت له فضيلة التواضع ولين الجانب كثرت أعوانه وأتباعه، وقوي باجتماعهم عليه).
ـ قد يقول قائل أن لا طمع لي في منصب رفيع ولا شهرة بين الناس، وبالتالي لا حاجة لي بالأنصار والأعوان.. ولكن ألا يحتاج رب الأسرة إلى حب أفراد أسرته والتفافهم حوله؟ ألا يحتاج الجار إلى مساندة جيرانه؟ ألا يحتاج الموظف والتاجر والعامل والمريض وصاحب المصيبة إلى ذلك؟
ـ وفي البين احتمال ثالث أحتمله، وهو أن الإنسان المرن الذي لا يتصلب في آرائه، بل يستمع إلى الآخرين، ولا يصر على قراراته عندما تنكشف أنها خاطئة، بل يصلحها، فإن النتائج بالنسبة إليه ستكون
أفضل، وأكثر إثماراً وعطاءاً وفائدة.
ـ إن في كل مواقع الحياة هناك حاجة للحزم وحاجة للين، هناك حاجة للقانون وروح القانون، هناك حاجة إلى المعين والمدافع والمشير والناقد.. وبقدر تواضعك وأخلاقك الرفيعة وانفتاح عقلك يزداد رصيدك.. وبقدر تكبرك واستعلائك واحتقارك للآخرين وخشونة تعاملك معهم وفظاظة أسلوبك وغلظة قلبك وعنادك يتناقص رصيدك الإنساني والعلمي والعملي ويتلاشى.. وقد قال تعالى متدحاً نبيه الأكرم(ص): (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران:159].