خطبة الجمعة 9 ربيع1 - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: مراتب الكفر والشرك


ـ عن سماعة قال: (قلت لأبي عبد الله(ع) أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان؟ فقال: إنّ الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله(ص)، به حُقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس، والإيمان: الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة، إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر، والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن وإن اجتمعا في القول والصفة).
ـ كيف نوفِّق بين هذا الخبر وبين ما يدل على كفر فئات من المسلمين؟ بل وكيف نوفق بين هذا وبين ما يدل على شرك بعض المسلمين؟
ـ أهمية هذا يرتبط اليوم بشكل كبير في دعاوى التكفير التي يُطلقها كل طرف من المسلمين تجاه الآخر.
ـ لابد أن نعي أن للكفر مراتب، وللشرك مراتب، وبعض مراتب الكفر والشرك لا تنافي حمل الفرد لعنوان الإسلام، ولا تستدعي إخراجه من دائرة الإسلام. فالفرد قد يكون محكوماً بالإسلام ولكنه مع ذلك يتصف بنوع من أنواع الكفر أو الشرك.
ـ أما بالنسبة إلى الكفر، فهناك كفر عقائدي، وكفر عملي، والعملي ينقسم إلى كفر نعمة، وكفر معصية.
ـ نموذج الكفر العقدي ما جاء في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ
اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً)[النساء:150-151].
ـ هذا النوع من الكفر لا يلتقي مع الإسلام في شئ، وصاحبه ليس بمسلم.
ـ نموذج الكفر العملي بخصوص النعمة: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7].
ـ نموذج الكفر العملي بخصوص المعصية: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران:97].
ـ فهو كفر يتمثل بنوع من التمرّد السلوكي والعملي على التشريع، استجابة للشهوات وغيرها، وهو لا يوجب الخروج عن الدين.. نعم هو مستلزم للفسق والخروج عن حالة التدين والالتزام بالشرع.
ـ أما بالنسبة إلى الشرك، فهو على أنواع: ومنها الشرك بادعاء وجود إله مع الله، وشرك بادعاء وجود أرباب يديرون الكون، وشرك بعبادة غير الله، وكلها لا تلتقي بالإسلام في شئ، وصاحبها ليس بمسلم.
ـ ولكن هناك شرك في الطاعة، كطاعة الهوى وطاعة الشيطان وطاعة الطاغوت مع تحقق عصيان الله في ذلك. وهذا لا يُخرج المسلم من دائرة الإسلام.
ـ كما في قوله تعالى عن النصارى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)[التوبة:31] وقد بيّن
الإمام الصادق(ع) المراد من ذلك فقال: (ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما
أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً، فعبدوهم من حيث لا يشعرون).
ـ وكذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)[يوسف:106] فقد روي عن الصادق(ع) في ذلك أن المراد: (شرك طاعة وليس شرك عبادة).
ـ وهناك شرك في النية، وذلك بتحقق الرياء في العمل، وقد روي عن علي(ع): (اعلموا أن يسير الرياء شرك) وعن الباقر(ع): (من صلّى مراءاة الناس فهو مشرك، ومن عمل عملاً مما أمر الله به مراءاة الناس فهو مشرك). وهذا الشرك أيضاً لا يُخرج المسلم من دائرة الإسلام.
ـ إن عدم التمييز بين أنواع الكفر وأنواع الشرك، والأخذ بظاهر النصوص، والاستعجال في إصدار الأحكام، بل واتباع الهوى في ذلك، خلَق حالة من الفوضى الفكرية عند المسلمين، ثم خلق هذه الوجودات التكفيرية التي تدمّر ما تبقَّى من مواطن القوة في الأمة بكل أنواع التدمير المادي والمعنوي والقيمي، دون ورع ولا تدبّر، بل وبما يحقق ما عجزت عن تحقيقه يد الاستكبار والصهيونية طوال عقود من الزمن. وعلى المسلمين ـ لاسيما العلماء ـ أن يعودوا إلى رشدهم ويتحملوا مسؤولياتهم بحثاً عن نقاط الالتقاء والتوافق والمشتركات، ويدعوا العصبيات واللهاث وراء الشهرة في عالم الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي اعتماداً على أسلوب الإثارة والهجوم على الآخر المختلف والبحث عن نقاط ضعفه للتهريج والتشهير بها والطعن في مقدساته وفقهائه ونتاجاته العلمية.. وبالله عليكم أي مذهب من المذاهب الإسلامية لا يحمل في طياته عناصر ضعف وخلل عبر تراكمات التراث الإنساني القابل للخطأ والصواب؟ ومسؤولية عامة المسلمين أن يحيّدوا هؤلاء، أن يلفظوهم خارج دائرة الاهتمام، وأن يركّزوا في ما ينشرونه ويستمعون إليه ويتبعونه على مَن يجمع ولا يفرّق، وعلى من يبني ولا يدمّر.