خطبة الجمعة 9 ربيع1 - 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: غرور الأماني


ـ روى الطبرسي في الإحتجاج بإسناده عن أبي محمد العسكري في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ): (إن الأمي منسوب إلى أمه أي هو كما خرج من بطن أمه، لا يقرأ ولا يكتب "لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ" المنزل من السماء والمتكذَّب به ولا يميزون بينهما " إِلاَّ أَمَانِيَّ " أي إلا أن يُقرأ عليهم ويقال لهم إن هذا كتابُ الله وكلامُه، لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه).
ـ وبالتالي فهم يخدعون أنفسهم ويمنّونها أنهم يمتلكون المعرفة الإيمانية التي تحقق لهم النجاة، ولكن واقع الأمر أنهم من الجهل بحيث أنهم لا يملكون حتى تمييز كلام الله عن سواه.
ـ الأماني بالنسبة إلى الإنسان شئ طبيعي متناسب مع فطرته وعامل مشجع له للتطوير والإنتاج والإبداع.
ـ والحديث السلبي في القرآن عن الأماني يأتي في سياق الأمنيات الباطلة والأوهام التي يخدع بها الإنسان نفسه وينسجها حوله في ما يتعلق بمصيره الأخروي، حتى تتحول إلى غطاء يحول بينه وبين الحقيقة.
ـ ومن ذلك ما جاء في قوله سبحانه: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[البقرة:111].
ـ وأيضاً قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً)[النساء:123].
ـ ومن هذا القبيل ما ورد في تنبيه الإمام الباقر(ع) عن الأماني الباطلة حيث روي أنه قال: (لا تذهب بكم المذاهب) أي لا تمنّوا أنفسكم وتخدعوها (فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عزوجل).
ـ فالإنسان يضع لنفسه جملة من المعايير المغلوطة أو الناقصة، نتيجة جهله، أو لتناسبها مع هواه، ويرسم لنفسه مصيراً أخروياً حالماً، لا يخدع بها الله، ولكنه يخدع بها نفسه، ليجد له في الآخرة مصيراً مغايراً.
ـ وأحياناً يُدرك الرجل إلى أي مدى هو سئ في سريرة نفسه، محافظ على تدين خارجي شكلي، ثم يأتيه من يقول له لقد رأيت في المنام أنك في الجنة، وأن مقامك كذا وكذا.. أو أن النبي قال أنه راض عنك.. فيصدقه، وينكر حقيقة ما يدركه عن نفسه، ويستمر على ما هو عليه من الانحراف.. ما قيمة هذه الرؤى؟
ـ وأحياناً تجد المرأة محافظة بكل لباسها وحجابها وحضورها في المجالس الدينية، ولكن قلبها أسود من عباءتها، فتجدها حسودة، نمّامة، وهي تعلم حقيقة نفسها، ولكنها تمنّي نفسها أن هذا الستر الذي تلتزم به والمجالس التي تدور فيها تكفيها لتحقق لها النجاة.
ـ وقد قال تعالى: (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)[القيامة:14]
ـ وفي الحديث النبوي: (... وأحمق الحمقى من أتبع نفسَه هواه، وتمنّى على الله الأماني).
ـ وعن أمير المؤمنين(ع): (الأماني تعمي عيون البصائر).