الإمام زين العابدين والقرآن

روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني، جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود، عن سفيان بن عيينة عن الزُّهْري، قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: (لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي).
ولي وقفات مع هذا الحديث:
أولاً، أن الخبر يرويه أبوشهاب الزهري أحد أئمة أهل السنة، وأول من جمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه آله وسلم منهم، وكان مُقبلاً على الإمام زين العابدين عليه السلام ونشأت بينهما علاقة الأستاذ بتلميذه، وقد أخذ كثيراً من العلم عنه، وهو القائل في الإمام زين العابدين: (مَا رَأَيْتُ قرشياً أَفْضَلَ مِنْهُ).
ولم تنقطع هذه العلاقة ولا حِرص الإمام على الزهري حتى بعد أن قرّبته الخلافة الأموية وأصبح من علماء البلاط الأموي، وكان يعتذر لذلك بقوله: (أنا شريكٌ في خيرِهم دون شرِّهم).
وقد أرسل إليه الإمام عيه السلام رسالة وعظية محبةً له وخوفاً عليه، ولما مضى من الأمر بينهما، رواها ابن شعبة الحراني في (تحف العقول) اخترت منها بعض المقاطع: (كفانا الله وإياك من الفتن ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك، فقد أثقَلَتْكَ نِعمُ الله بما أصحَّ من بدنِك، وأطال من عمرك، وقامت عليك حُججُ الله بما حَمّلك من كتابه، وفقّهك فيه من دينه، وعرّفك من سنة نبيه محمد الإمام زين العابدين عليه السلام... فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله.. ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكني أردت أن يُنعش اللهُ ما قد فات من رأيك، ويردَّ إليك ما عَزَب من دينك، وذكرتُ قولَ الله تعالى في كتابه: "وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين").
ولكن من المهم هنا من خلال ما يمثله هذا من درس عملي أن نؤكد على ضرورة التواصل العلمي والارتباط الأخوي الذي يجمع بين علماء المسلمين، وإلغاء الحواجز المؤسفة التي صنعتها الصراعات وتراكماتها عبر الزمن.
وقد تعمدت أن أذكر سند الحديث كاملاً لبيان أن العلماء كالكليني وأصحاب الأئمة كعلي بن إبراهيم القمي لم يمنعهم الاختلاف المذهبي من الأخذ عن علماء أهل السنة كسفيان بن عيينة والزهري، كما لم يمنع مَن يختلف معهم في المذهب أن يأخذ عن إمامهم زين العابدين عليه السلام.
ثانياً، شدّني هذا التعبير الوارد في الخبر حول القرآن، والذي ليس فيه بالنسبة إلى الإمام زين العابدين عليه السلام شئ من المبالغة، بل يحكي واقع العلاقة بينه وبين كلام الله. وهذه العلاقة من القرب والأنس لا تأتي من فراغ، بل تنشأ من ممارسة عملية دائمة، تلاوةً وتدبراً، تجعل القلب مشغولاً بكلام الله ومضامينه.
ولربما يكون بعيداً جداً أن نعيش نحن هذا المستوى من الأنس بالقرآن، وهذه العلاقة القوية التي تجعل القرآن كافياً لتحقيق الأنس والراحة النفسية، إلا أن من المهم أن نسعى لبناء علاقة دائمة تجعلنا نستوحش من هجر كلام الله ولو ليوم واحد.