قصيدة الشَّاعر بولس سلامة في الحسين

أنــزلوه بكــربلاء وشادوا حوله من رماحـهم أسـوارا
لا دفاعاً عـن الحسين ولكن أهل بيت الرّسول صاروا أُسارى
قال: ما هـذه البقـاعُ فقالوا كربلاء فقــال: ويحــكِ دارا
هاهنا يشربُ الثّرى مـن دمانا ويثيرُ الجمـادَ دمــعُ العذارى
بالمصير المحتوم أنبأنـي جدي وهيهــات أدفــع الأقـدارا
إن خَلَتْ هـذه البقـاع من الأزهار تمسي قبورُنا أزهــارا
أو نجوماً عـلى الصّعيد تهاوت في الدّياجير تُطلـعُ الأنـوارا
تتلاقى الأكبـادُ من كُلّ صوبٍ فوقَها والعيـونُ تهمـي ادّكارا
مَنْ رآها بكـى ومن لم يزرها حَمَّل الــرّيحَ قلبُه تـِذكــارا
كربلاء!! ستصبــحين محجّاً وتصيرين كالهـواءِ انتشــارا
ذكركِ المفجع الألــيم سيغدو في البرايا مثلَ الضّيـاءِ اشتهارا
فيكون الهدى لمــن رام هدياً وفخاراً لمـن يــرومُ الفخارا
كُلّما يُذكـر الحســينُ شهيداً موكبُ الــدّهر يُنبت الأحرارا
فيجيءُ الأحرار في الكون بعدي حيثما ســرْتُ يلثمون الغبارا
وينادون دولــةَ الظّلـم حيدي قد نقلنا عــن الحسين الشِّعارا
فليمت كــلّ ظالــمٍ مستبدٍّ فإذا لــم يمــت قتيلاً توارى
ويعــودون والكـرامةُ مَدَّت حول هامــاتهم سنـاءً وغارا
فإذا أُكـرهوا ومــاتوا ليـوثاً خَلّدَ الحـقُّ للأُسـود انتصـارا
سَمِعَتْ زينبُ مقــالَ حسـينٍ فأحسَّتْ في مُقلتيـها الـدوارا
خالتِ الأزرقَ المفضَّض ســقفاً أمسكتْهُ النّـجومُ أن ينهـارا
خالتِ الأرضَ وهـي صمّاءُ حزناً حمأً تحـتَ رجِلهــا مَــوّارا
ليتني مُـتُّ يـا حسينُ فلـمْ أسمع كَلاماً أرى عَليـه احتضارا
فُنيــتْ عِتـرةُ الرّسولِ فأنتَ الكـوكبُ الـفردُ لا يزالُ منارا
مات جدّي فانـهدَّت الوردةُ الـ زهـراءُ حزنـاً، وخلَّفتنا صغارا
ومضى الوالـدُ العــظيمُ شهيداً فاستــبدّ الزّمـانُ والظّلُّ جارا
وأخوك الّـذي فقدنـاهُ مسموماً فبتنا مـن الخــطوبِ سُكارى
لا تَمُتْ يـا حسينُ تفديكَ منّا مُهجـاتٌ لـم تقرب الأوزارا
فتقيكَ الجفــونُ والهُدب نرخيها ونلقـي دون المنــون ستارا
فدعاهـنَّ لاصـطبـارٍ حسينٌ فكأنَّ المياه تطفئ نــارا
قـال: إن مـتُّ فالعـزاءُ لكنّ الله يُعطي من جــوده إمطارا
يلبسُ العاقلُ الحكيمُ لباسَ الصَّبر إن كانـتْ الخـطوبُ كبارا
إنَّ هـذه الدّنيـا سحابةُ صيفٍ ومتــى كانـت الغيومُ قرارا
حُـبّيَ المـوتُ يُلبسُ الموتَ ذلاً مثلمـا يكسفُ اللّهيبُ البخارا