خطبة الجمعة 11 محرم 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: أي مصاب هذا ؟


ـ حين يفقد الإنسان حبيباً فذاك مصابٌ جَلل.. وحين يفقد الإنسان أخاً فالمصيبة عظيمة.. وحين يفقد الإنسان ابناً فالمصيبة أعظم.. فأي مصيبة تلك التي حلّت بالعقيلة زينب في يوم عاشوراء؟!
أيُّ فراق هذا ؟ يا حسين ..
أي فراق هذا الذي حداؤه سياط الجلادين، وتحف به نصل السيوف، وتعطّره رائحة الدماء، وتُنشد له حشرجات البكاء؟
أي فراق هذا الذي كان تأويلَ ولهِك الشديد إلى أسلافك، وقد خِيرَ لهم دارُ المُقامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟
أي فراق هذا الذي كان تأويلَ قولِ الحق حين أطلقْـتَه في سماء حرم الأمن الإلهي، فتردد في آفاقه شوقاً كشوق يعقوبَ إلى يوسف بعد أن طال به الفراق وعمّق كَلْمَه حنينُ الذكريات؟
أي فراق هذا ـ أخيّ حسين ـ وعسلانُ الفلوات قد قطّعت أوصالَك، وأكراشها الجوفى لا تمتلئ.. حقداً وخِسّة.
دعني ـ أُخيّ حسين ـ أقبّل جيدَك الذي خَطَّت عليه شفراتُ الرَّدى كلمتَها، فقلّدتكَ أوسمةَ الشهادةِ الأسمى..
ألأوصالك المحطمة تحت سنابك الخيل أن تملأ أحضاني كما كان جسدك يملأُ أحضانَ أمِّنا الزهراء؟
ألدفءِ نظراتك أن تعود فأقرأُ فيها الأمان، وأغمضُ عينيّ عليها بسلام؟
هيهات أن تُغمَضَ عينِي، وقذى كربلاء أبى إلا أن يفترش أجفاني!
هيهات أن أشعر بلذيذ المَنامة بعد اليوم، وجمرُ الطفِّ أشعل سُهادي!
أي فراق هذا ـ أخيَّ حسين ـ وأنا أخيِّر نفسي: أأجزع على مصابك، أم أصبر جازعة!
ولكنني تذكرت ـ أخيَّ حسين ـ تلك الوصية الحانية: اصبري ـ قرةَ العين ـ ولا تشقي الجيب عليّ.
ومادام لي في قلبكِ موطئاً، فإلاّ نزّهتِ وجهَكِ الأنور عن خمشةٍ جازعة أو لطمةٍ دامية!
فصبرتُ وصبرتُ وصبرتُ واستشرفتُ أنكَ وحيداً وقفتَ..
وعيناك تستشرفان الغيوبْ.. وتنفتحان على ألف جرح وجرحْ.
وينزف جرحك دمعاً على التائهينْ.. على ألف صحراء في التيه خلف الزمانْ.
وكفّاك يا للعطاء الذي يُنزل المطر.. ويشرب منه الظِماء.. الذين يشيرون الى الغيث في لهفة السؤال..
عطاشى الحقيقةْ.. الى أين نجري؟ وماذا لدى الروح.. من صبَوات الضياءْ.
وللوعي صرخةُ جوعٍ يئنُّ بحزنِ الجياعْ.. ويفتحُ فاه.. ويهفو الى السرِّ في العمق خلف الكهوفْ.
وحيداً وقفتَ.. وفي مقلتيك تفوحُ الدماءْ.. كما الوردُ في روعةِ الربيع.. يزِفُّ العبيرْ.
دماءَ الشهادة.. التي تصنع الورود.. لتزرع في كل جيل الرسالة وردةْ.
لتمضي المسيرةْ.. تخطط للعزِّ خطَّ الكرامةْ.
وتحضنُ بالحب روحَ الشهامةْ.. وفي الغد للحق ألف أمَلْ.
وفي الفجر يصرخ خيرُ العمل.. وأنتَ تصرخُ يا أيها المؤمنونْ.. تعالوا إليّ.
ففي كلماتي سرُّ الحياةْ.. وفي خطواتي دربُ النجاةْ.. وعلى وقع خطواتك أسير ـ أخيّ حسين ـ ..
فإني أشهد أنك مصباحُ الهدى وسفينةُ النجاة.
السلام عليك يا أباعبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك عليك مني سلام الله أبداً ما بقين وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى عقيلة الهاشميين زينب ورحمة الله وبركاته.