لماذا نبكي الحسين؟ المرجع السيد فضل الله


(1)

منذ أربعة عشر قرناً من الزمن تقريباً، ونحن نحيا هذه الذكرى في حياتنا، والطابع الذي أخذته هذه الذّكرى في تقاليدنا وفي عاداتنا، هو طابع الحزن الذي تسيل معه الدّموع وربما تحترق فيه القلوب. وعندما يعيش الإنسان الحزن على قضية مرت عليها القرون المتقادمة، يحتاج الى تسويغ هذا الحزن، ليكون عنصراً فاعلاً في حياته.

(2)

ما معنى ان تبكي مأساة حصلت في التاريخ لأناس تحبّهم من خلال عقيدتك وإيمانك وولائك، وأنت تعيش في أكثر من موقع من مواقع حياتك آلاماً قد تكون أقسى من آلام كربلاء وفظائعها، وقد تكون وحشيّة ما يلقاه النّاس الذين ترتبط بهم برابط العقيدة والولاء والإنسانية في الوقت الحاضر، أشدّ فظاعة، فتشعر بأنك تعيش اللامبالاة أمام حركة المأساة في الحاضر؟ إن ذلك يعني ان حزنك على الإمام الحسين عليه السلام ليس حزناً انسانيّاً رساليّاً، ولكنّه حزن انفعالي جامد لا يتحرّك ليثير فيك حزناً مماثلاً في كل صورةٍ شبيهة بصورة كربلاء. لذلك لابد لنا من ان نفسِّر هذا الحزن لأنفسنا، حتى نوحي اليها بأن هذا الحزن ليس حزناً ذاتيّاً، بل هو حزن ينفتح على كلّ مواقع المأساة في الحياة، عندما تتحرّك المأساة في ساحاتنا من خلال الّذين يضطهدون الناس باسم الاسلام، ويقتلون النّاس على أساس التزامهم بالحرية الّتي يُقدّمها الاسلام، أو من خلال التزامهم بالعدالة الّتي هي سرّ حركة الإسلام.

(3)

نحن نحب الإمام الحسين، نحبّه ونحبّ أخاه، ونحب أمه وأباه وجدّه، والأئمّة المعصومين من ذرّيته، وننتظر حفيده لنكون من جنوده، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً... نحبّه لأنه أحب الله، ونحب آل بيته جميعاً لأنّهم أحبّوا الله. نحبّه ونحبهم لأنّهم حملوا رسالة الله، ولأنّهم جاهدوا في سبيل الله، وأعطوا كل شيءٍ يملكونه لله، من هنا، فحبّنا لهم ليس ذاتيّاً، وليس حب قرابة، أو حبّ صداقة، ولكنَّه حب يفرضه علينا انتماؤنا الى القاعدة التي انطلق منها الإمام الحسين عليه السلام وتحرّك في اتّجاهها.

(4)

لقد أراد الإمام الحسين عليه السلام الإصلاح في الأمَّة، لا الإصلاح في العائلة أو القرية، الإصلاح على مستوى الأمة كلّها، لا على مستوى الوطن الّذي يتأطّر فيه الانسان. لقد انطلق عليه السلام ليقول لنا: فكّروا في قضايا أمّتكم من خلال الاسلام الّذي حمله جدّي رسول الله عليه السلام، وأصلحوا ما فسد فيها، فكّروا في قضايا الأمّة، حتّى يكون كلّ واحدٍ منكم مسلماً يحمل همّ الاسلام كلّه، وهمّ المسلمين كلهم.. لا تعيشوا عصبيّة الذّات أو العائلة أو الوطن أو عصبيّة القوميّة.. عيشوا رساليّة الاسلام في كلّ المساحات الانسانيّة الّتي للاسلام فيها قضيّة، وللرّسالة فيها خط، وللإنسان فيها انفتاح. لهذا فإنَّ ما نودّ قوله في مرحلتنا الحاضرة، ضرورة استيحاء كلمة الامام الحسين عليه السلام: (خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي).