خطبة الجمعة 4 محرم 1435 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : العطاء في كلمة حسينية


ـ في كتاب شرح إحقاق الحق للمرعشي خطبة للإمام الحسين(ع) عنوانها قضاء حوائج الناس، وقد تنوع حديثه هذا بين بيان قيمة العطاء وأهميته، وآداب العطاء وأخلاقياته:
ـ اعتبر بدايةً أن العطاء من مكارم الأخلاق التي تستدعي السعى والمبادرة من قبل الإنسان للتحلي بها، بل والتنافس عليها مع الآخرين وكأنه في سَبقٍ معهم، وهذا على خلاف ما ينتهجه الإنسان في إيثار الذات على الغير: (أيها الناس نافِسوا في المكارم، وسارِعوا في المغانم، ولا تحتَسِبوا بمعروفٍ لم تُعجِّلوه) لأن قيمة هذا المعروف ستنخفض كثيراً في الميزان الإلهي (واكسِبوا الحَمدَ بالنُّجْح) أي بقضاء الحوائج (ولا تكتسبوا بالمَطْل ذماً) المطل يعني المماطلة، وهي تدفع صاحب الحاجة إلى الانزعاج منها، ولربما ذمّك عليها، فبادر بقضاء حاجته قبل أن يصل إلى هذا الحد الذي تتحول فيه فرصة نيلك للثناء إلى سبب لذمك.
ـ ما الذي يدفع الإنسان إلى المماطلة والتردد؟ أتخاف أن لا يقدّر لك معروفَك؟ يقول الإمام: (فمهما يكن لأحد عند أخيه صنيعةٌ، رأى أنه لا يقوم بشكرها، فالله يقوم له بمكافأته، وذلك أجزلُ عطاءً وأعظمُ أجراً).
ـ ما نظرتُنا تجاه سعي الناس إلينا لنقضيَ لهم حوائجَهم؟ إن إدراك حقيقة ذلك ينبغي أن يدفعك للسرور والتحفّز حين يقصدك من يقصدك لتفريج كربه: (واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تَمَلُّوا النعم فتحورَ نِقَماً، واعلموا أن المعروف يُكسِبُ حَمداً، ويُعقِبُ أجراً).
ـ ثم يطلب منا الإمام(ع) أن نتذكر أن قضاء حوائج الناس باب من أبواب المعروف: (فلو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين، ولو رأيتم اللؤم رجلاً لرأيتموه قبيحاً تَنفر منه القلوب وتَغض عنه الأبصار). فكيف تحب أن تكون صورةَ عملِك؟
ـ ويشير الإمام(ع) إلى شئ من نتائج العطاء والبخل: (أيها الناس، مَن جادَ ساد، ومن بَخِلَ ذَل) على خلاف ما يتصوره الإنسان من أنه حين يبخل يجمع الثروة، وبالثروة يسود، فإن الثروة مع البخل ممقوتة عند الناس، وتعكس عنك صورةً قبيحة اجتماعياً.
ـ ثم يحلّق الإمام(ع) في آفاق مراتب العطاء وأنواعه: (وإن أجودَ الناس مَن أعطى مَن لا يرجوه، وأعفى الناس مَن عفا عَن قدرة) أعفى أكثرهم عفواً وتسامحاً (وإن أوصل الناس مَن وصل مَن قطَع) فلا تتصور أن العطاء مرتبة واحدة، ولا تتصور أن العطاء بالمال فقط، فالعفو عند القدرة عطاء، وصلة مَن قَطعك عطاء، حيث تتنازل عن حقٍّ لك لهدف سامٍ.
ـ وتذكَّر أن الله لا ينسى ولا يضيع عنده المعروف عندما يُقدِم عليه الإنسان لوجهه سبحانه: (ومن أراد بالصنيعة إلى أخيه وجه الله تعالى، كافأه الله بها في وقت حاجته، وصرف عنه من البلاء أكثر من ذلك، ومن نفَّس على أخيه كُربةَ من كُرَبَ الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب الآخرة، ومَن أحسَنَ أحسنَ اللهُ إليه، والله يحب المحسنين).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا بأمور ديننا، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يُجري على أيدينا الخير، ولا يمحقه بالمن، إنه سميع مجيب.