خطبة الجمعة 27 ذوالحجة 1434 الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية : وقفة مع إحياء الذكرى الحسينية


(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً)(الأحزاب:39) ـ نحن مقبلون على شهر محرم، وهو الشهر الذي يُستنفَر فيه المؤمنون لإحياء الذكرى السنوية للنهضة الحسينية على صاحبها والشهداء بين يديه آلاف التحية والسلام.
ـ ولاشك أن من المهم أن يكون للجمهور الدور الفاعل في بلورة عطاءات المنبر الحسيني، حضوراً واهتماماً ومقترَحاً وتقييماً ومساهمة.
ـ فالخطيب بحاجة إلى الكفاءات الاجتماعية والخبرات العلمية، بل تتجلى هذه الحاجة أكثر عندما يكون الخطيب وافداً على المجتمع وليس من أبنائه، فهو بحاجة إلى معرفة خصوصيات ذلك المجتمع، وحاجاته والتحديات التي يعيشها، ولغة الخطاب التي يأنس بها.. إلخ، والله تعالى يقول في شأن الرسول: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ)(الأنعام:9).
ـ بل إن الله تعالى يأمر نبيه المسدَّد بالغيب قائلاً: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)(آل عمران: من الآية159)، وقد قال علي(ع) كما روي عنه: (من استبدّ برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها).
ـ ولكن لابد أن ننتبه أيضاً إلى الدور السلبي الذي قد يقوم به الجمهور في الضغط على الخطيب أو إغرائه
لطرح ما يخالف قناعاته الفكرية والشرعية، أو تسطيح المنبر الحسيني وتحويله إلى منبر محدود العطاء،
أو دفعه إلى ذكر ما يعتقد بكذبه على المستوى التاريخي في تفاصيل أحداث كربلاء.
ـ وعلى الخطباء أن يحذروا ذلك، ويصبروا في هذه الطريق الوعرة، حتى لو كلفهم شيئاً من التضحية على المستوى المعنوي أو المادي: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(الطلاق:2-3).
ـ وينقل أن أحد الأنبياء حينما بعثه الله تعالى طلب منه أن يكفّ ألسنة الناس عنه، فأجابه الله تعالى أنها خصلة لم أجعلها لنفسي، كيف أجعلها لك؟!
ـ فلابد من التحمل والصبر والتضحية والإخلاص، وكلها من عناوين النهضة الحسينية، كما أن المنبر الحسيني أمانة لا يصلح التفريط بها.
ـ وهذا العلامة السيد محسن الأمين صاحب أعيان الشيعة، وأحد مراجع التقليد، وصاحب المشاريع الكثيرة التي من بينها إحياء الحرم الزينبي والوجود الشيعي في سوريا، كتب كتابه (رسالة التنزيه) في تصحيح مسار المنبر الحسيني ولم يبالِ بكل الهجوم الذي انصبّ عليه حتى قال فيه أحد الخطباء المشهورين:
يا راحلاً أما مررت بجُلَّقِ فابصق بوجه أمينِها المتزندق
الأمر الذي دفع المرجع السيد أبوالحسن الأصفهاني للانبراء دفاعاً عن هذا السيد المجاهد الجليل بالفتوى.
ـ وفي هذه الأجواء من الاستنفار البدني والعقلي والمالي وحتى الأمني، من حق كل أحد أن يتساءل عن مدى تحقق أهداف هذا الإحياء المبارك، فهي مسؤولية، ومن لوازم المسؤولية المحاسبة.
ـ ومن المؤسف أن يدخل علينا هذا الموسم العظيم بكل زخمه الروحي والعقلي والمادي دون أن تكون هناك جهات تقيّم عطاءات الموسم الذي مضى ضمن دراسات جادة وميدانية، في إيجابياتها وسلبياتها، وتبني من خلال ذلك صورة ومضمون الموسم الجديد.
ـ ولذا أرى أن من الضروري أن نقوم بما تقوم به المؤسسات التجارية والثقافية والعلمية الناجحة في عالمنا المعاصر، من عملية تقييم سنوية وهو ليس ببعيد عن التوجيه الإسلامي، ففي النبوي: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، و زِنوها قبل أن تُوزنوا) ومن السذاجة أن نتعامل مع هذا النص في إطار فردي شخصي، فللفرد كتاب، وللأمة كتاب (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا)(الجاثـية:28).
ـ ولكي تتم عملية التقييم السنوية هذه لابد من توفر عدة أمور:
1. قناعة حقيقية وجدِّية لدى الجهات المؤثرة بضرورة مثل هذا العمل، كي لا يتحول المشروع إلى مجرد عمل استعراضي أو إعلامي أو بروتوكولي، تملؤه الخاطابات ويخلو من المضمون العملي.
2. مباركة المرجعيات الدينية لهذا المشروع على الأقل، إن لم نقل تحملها مسؤولية إقامته، وأهمية هذا
الأمر في الوسط الشيعي غير خافية.
3. وضْع قواعد وأسس التقييم لمسارات إحياء الذكرى السنوية، فهناك أوجه نظر مختلفة، حتى على المستوى الفقهي، وأحياناً تدخل فيها تعصبات وحالات استفزازية مشهودة كل عام، وهي غير خافية، من قبيل بعض الممارسات التي يُختَلف في كونها من الشعائر ومستحبة وينبغي تشجيعها، أم من البدع ومبغوضة وتعتبر مسيئة لعطاءات الموسم.
4. السعي لتوظيف النتائج المترتبة عملياً من خلال القوى المؤثرة في الوسط الشيعي من قبيل المرجعيات الدينية والعلماء والحوزات العلمية ووكلاء المراجع والمؤسسات والمراكز الدينية.
5. إصدار بيان سنوي عام على هيئة خلاصة وتوصيات ومقترحات ومشاريع تطويرية أو تصحيحية.
ـ نسأل الله تعالى أن نشهد المزيد من التطوير والارتقاء في عطاءات المنبر الحسيني، وفي أنواع مراسم الإحياء وبركاتها..