من وصايا أمير المؤمنين

روى الشريف الرضي رحمه الله في نهج البلاغة: ومن كلام لعلي عليه السلام كان يوصي به أصحابه: (تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلاَةِ، وَحَافِظُوا عَلَيْهَا، وَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا، وَتَقَرَّبُوا بِهَا، فَإِنَّهَا "كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً". أَلاَ تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا: "مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ"؟ وَإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ، وَتُطْلِقُهَا إِطْلاَقَ الرِّبَق) كما تفتح عُقد الحبال. (وَشَبَّهَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله بِالْحَمَّة) مياه العيون الحارة التي يُستشفى بها من العلل (تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ، فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرّات، فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ؟ وَقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لاَ تَشْغَلُهُمْ عنْهَا زِينَةُ مَتَاع، وَلاَ قُرَّةُ عَيْن مِنْ وَلَد وَلاَ مَال، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: "رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ" وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم نَصِباً بِالصَّلاَةِ بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَهُ بِالْجَنَّةِ) أتعَب نفسه بكثرة الصلاة على الرغم من أنه بُشِّر بالجنة (لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا"، فَكَانَ يَأُمُرُ بِهَا أَهْلَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهَا نَفْسَهُ. ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلاَةِ قُرْبَاناً لأهْلِ الاِْسْلاَمِ) كما كانت تتقرب أمم سابقة بتقديم القرابين لله وتكون عنوان التوبة والتكفير عن الآثام ودفع البلاء (فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا، فإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً، وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً، فَلاَ يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ، وَلاَ يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفـَهُ، فإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا، يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ، مَغْبُونُ الاَْجْرِ) يقل ثوابه (ضَالُّ الْعَمَلِ، طَوِيلُ النَّدَمِ. ثُمَّ أَدَاءَ الأمَانَةِ) أمانة الالتزام بمواثيق الله مع عباده (فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّماوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ، وَالأرَضِينَ الْمَدْحُوَّةِ) أي المبسوطة (وَالْجِبَالِ ذَاتِ الطُّولِ الْمَنْصُوبَةِ، فَلاَ أَطْوَلَ وَلاَ أَعْرَضَ، وَلاَ أَعْلَى وَلاَ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَلَوِ امْتَنَعَ شَيْءٌ بِطُولٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ قُوَّة أَوْ عِزٍّ لاَمْتَنَعْنَ) أي لو كان معيار الأمر هو الحجم والقوة المادية لأعطيت تلك المخلوقات الهائلة مسؤولية الخلافة وامتلاك اختيار الخير أو الشر، ولكن المسألة ليست كذلك فهو تحدٍّ ليس باليسير، ومن يتحملها يجب أن يمتلك من الصفات ما يؤهله لذلك ـ كالعقل ـ فكان الإنسان هو الذي تؤهله خلقته لذلك: (وَلكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَعَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ، وَهُوَ الإنْسَانُ، "إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً") فأكثر الناس يفشلون في هذا اختبار تحمل مسؤولية الأمانة الإلهية ( إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ، لَطُفَ بِهِ خُبْراً، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْماً، أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ، وَجَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ، وَضَمائِرُكُمْ عُيُونُهُ، وَخَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ).