دليل الحياة في القرآن - القسم الخامس

خيري صناعتي وشرِّي صناعتي:
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا)(فصلت/46)
التطبيق الحياتي: فعلُكَ خيراً كان أم شرّاً، لمن نسبته؟
لك أنتَ الفاعل؟ أم لله تعالى الذي ملّككَ أمرك؟
يقول العلماء: إنّ نسبة أي فعلٍ من أفعال الإنسان إلى الله لا يمنع من نسبته إلى الإنسان، تماماً كما أنّ نسبة الظواهر الطبيعية، من حرٍّ وبردٍ واختلاف الليل والنهار، إلى الله، لا يمنع من نسبتها إلى أسبابها الطبيعية الخاضعة المودَعة في الكون.
وينتهون إلى الحقيقة التالية: وهي أنّ الإنسان مُختارٌ ولا جبر عليه، لأنّ الخيط الأوّل مربوط بيده وهو (حرِّية الإرادة)، ولا تفويضَ له تفويضاً مطلقاً، لأنّ الخيط الثاني، وهو (وسائل القدرة) بيدِ الله، فهو القادر أن يُبقيها حيث يشاء، وأن يُزيلها حيث يريد.
وعلى ضوء هذا، لا يوافقون على الفكرة التي تقول: إنّ الله قد خلقَ الشر والخير، كونه خالقاً لكل شيء، فهو خلق العبد لكنه لم يخلق فعله، نعم خلق إرادته التي يتصرّف بها في فعل الخير أو فعل الشر.
أما ترى لو أنّ أفعالنا مخلوقة، لكنّا نمطاً واحداً، إمّا أخيار أو أشرار؟ ثمّ ما معنى الجنّة وما معنى النّار، إذا لم نكن نحمل حرِّية الاختيار؟! هل عرفتَ الآن أنك أنتَ الذّي تصنع جنّتك بيدِك، أنتَ الذي تصنع ناركَ بيدِك؟ وأنّ خيرك الذي تنعم به وينعم به غيرك، هو منتوجٌ ذاتي، كما أنّ شرّكَ – أعاذك الله من جميع الشرور – هو صناعة محلِّيّة.
ألا تتذكّر كيف أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) طلب إلى أصحابه ذات يوم وهم في الصحراء أن يجمعوا له حطباً، فاستغربوا طلبه، ثمّ ما لبثَ أن اجتمع بين يديه (صلى الله عليه وآله) حطب كثير من قشّةٍ هنا، وخشبةٍ هناك، وعيدان هنا وهناك، وإذا به يُلفت الأنظار إلى أنّ نار جهنّم تجتمع أو تُصنع هكذا.
فإذا أردنا أن نعكس الصورة، نقول إنّ بيتنا في الجنة هو بناؤنا أيضاً: طابوقة من هنا، ولبنة من هنا، وعمود من هنا وآخر من هناك. فاختَر أين تبني مستقبلك؟
إنّ المصيبة أو الهزيمة التي حلّت بالمسلمين في معركة أُحُد هي من عند أنفسهم، خالفوا أوامر القيادة فدفعوا ضريبة المخالفة. وهكذا في كل معركةٍ حياتيّة، فليس معنى أن تكون مؤمناً، هو أن تُخالف القوانين والسُنن، وتتوقّع النصر أو الرِّبح أو النجاح!
أنتَ تخسر وتنكسر وتنهزم بمقدار ما تُخالف القانون.. وتربح وتنجح وتنتصر بمقدار ما تلتزم القانون. وفي كلا الحالين.. هنا وهناك، أنتَ مَن (يختار) و(يُقرِّر)، لذا كان (مَدَد إلهيّ) أو (توفيق رباني) فهو الخطوة الثانية أو التالية للقرار والاختيار.