الناخب المعلَّب: للشيخ علي حسن غلوم

الناخب المعلَّب
الشيخ علي حسن

تتوزع الولاءات في يوم الانتخابات وفق عناوين عديدة، وكثير منها (معلَّب) وفق معايير ستعود بمجلس الأمة إلى سيرته الأولى، (ولا طبنا ولا غدا الشر)، ولو أن الناخب يعي تبعات صوته الذي يُدلي به في لحظة مُستصغَرة من الزمن، لشعر بثقل تلك اللحظة، ولفكّر مِن قبلُ وتدبَّر فيمن يستحق أن يضع ثقته فيه، ويسلِّم أزمَّة البلد بيده.
القرآن والاصطفاف الممنوع:
يقول الله سبحانه وتعالى في توضيح أسس الولاء والبراء وبيان المقبول منها وما هو مرفوض (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة:22، بالطبع لا تصل الحالة فيما نحن فيه إلى الكفر والقتال والأجواء العنيفة التي كانت تحيط بنزول الآية الشريفة، ولكن المراد هو أن أساس الاصطفاف واتخاذ الموقف والموالاة لا يعتمد على الانتماء الأسري ولا القبلي ولا العرقي ولا يعود إلى المزاج والعاطفة المحضة، ولا على أساس الصداقة والمحسوبية الاجتماعية (وطلبتك عطيتك)، بل تقوم على أساس مَن هو الأجدر بهذا الاصطفاف، ومن هو الأصلح لينهض بمسئولية تمثيل المجتمع في المجلس، لاسيما في ظروف الإرتباك السياسي التي تمر بها البلد.
أنصار النبي يسترخصون العناوين:
وإذا كان البعض يستصعب تجاوز تلك العناوين، فعليه أن يستذكر الحالة التي عاشها أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يواجهون آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وعشيرتهم في ساحات المعركة، فيَقتلون ويُقتلون، وقد استرخصوا كل شئ في طريق نصرة المبدأ وإحقاق الحق، ومن خلال ثباتهم هذا (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).
الإمام علي يصف الوضع:
وللإمام علي عليه السلام كلمة يصف فيها ذلك الوضع الصعب، والإصرار الكبير الذي تحققت من خلاله الانتصارات، قال: (وَ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا وَ إِخْوَانَنَا وَ أَعْمَامَنَا مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلا إِيمَاناً وَ تَسْلِيماً وَ مُضِيّاً عَلَى اللَّقْمِ وَ صَبْراً عَلَى مَضَضِ الْأَلَمِ وَ جِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ وَ لَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَ الآْخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَ مَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ وَ أَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَ مُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ) ثم يصف حالة التخلي عن المبدأ وغلبة العاطفة والعناوين الاعتبارية على الحق: ( وَ لَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ وَ لَا اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ وَ أْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً وَ لَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً). (اللقم: الجادة الواضحة).
وخلاصة الكلام أن في هذا اليوم يمتاز ـ حقيقةً ـ الناخب (المعلَّب) عن الناخب الحر الذي يختار الأصلح لحاضر البلد ومستقبله، ولخيره وخير الأجيال القادمة.