خطبة الجمعة 18 رمضان 1434 ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : عظمة ليلة القدر


ـ (إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) الدخان:3-4..
ـ نحن على مشارف استقبال ليلة يفيض فيها الخير من الله على عباده.. وهذا معنى البركة.. وليلة هي بقدر من الأهمية بحيث أن الله تعالى يقدِّر فيها الأقدار إلى سنة، فهي ليلة القرارات الحاسمة.
ـ كيف نعرف أن هذا الزمان أو ذلك يمتاز بأهمية معينة؟ قد يكون ذلك بعدة لحاظات، ومنها ما إذا اختصر المسافة بيننا وبين أهدافنا.. فإذا حصلت ـ مثلاً ـ في يوم ما على مبلغ كبير من المال، وكنت تحصل عليه خلال عام كامل، ألن يكون ذلك اليوم خيراً لك من عام كامل؟! كذلك هي ليلة القدر تفيض من عطاءاتها وبركاتها ما يساوي عمراً مديداً: أكثر من ثلاث وثمانين سنة، وبتعبير أبلغ: ألف شهر.
ـ ولا يستطيع أحد أن يضمن أن يعيش كل هذا العمر.. فالموت يأتي فجأة.. وقد يكون العمر أقصر من ذلك بكثير.. ولكن بيدك أن تجعل من سويعات محدودة امتداداً مباركاً بقدر ذلك العمر الطويل، وكأنك تعيش في تلك الليلة حياة كاملة جديدة.
ـ من يعطي تلك الليلة حقها، فإنها تهب له حياة جديدة كاملة، وليست أية حياة.. بل حياة مباركة عامرة بالسلام الإلهي، وبجلال الملائكة والروح، ويُعطَى الإنسان فيها الفرصة لكي يتدخّل في تقدير مستقبله إلى عام قادم بنحو من التدخل المتمثل بالدعاء والاستجابة الإلهية.
ـ وليست هي الفرصة الواحدة.. بل الفرصة المتكررة في كل عام.. ويستطيع الإنسان أن ينال في تلك السويعات في كل عام حياة كاملة جديدة مباركة.. فأية عظمة هذه؟! وأي زمن مبارك هذا؟
ـ كثيرون هم الذين يتمنون أن يطيل الله أعمارهم.. وكثيرون هم الذين يدعون للآخرين بأن يطيل الله أعمارهم.. ولكن طول العمر لا معنى له، بل قد يكون وبالاً على الإنسان كما قال سبحانه: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[آل عمران:178] إلا أن يكون عمراً في نفس الاتجاه الذي رسمه الله لعباده كما قال الإمام زين العابدين عليه السلام: (واستفرغ أيّامي فيما خلقتني له... وعمِّرني ما كان عمري بذلة في طاعتك)، هذا هو المهم، وإلا فالعمر المبذول في المعاصي هو مقدمة العذاب بالنسبة إلى الإنسان.
ـ أقول كثيرون يتمنون أن تطول أعمارهم، ويغفلون أن بأيديهم ذلك.. ولا يشترط أن يكون ذلك امتداداً طولياً للعمر، بل هو امتداد العمق، فلليلة القدر من الامتداد العميق ما لا يمكن للإنسان أن يدركه (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) القدر:2. اللهم أعطنا السعة في الرزق، والأمن في الوطن، وقرّة العين في الأهل والمال والولد، والمقام في نعمك عندنا، والصحة في الجسم، والقوّة في البدن، والسلامة في الدين، واستعملنا بطاعتك وطاعة رسولك محمد(ص) أبداً ما استعمرتنا، واجعلنا من أوفر عبادك نصيباً في كل خير أنزلته وتنزله في شهر رمضان في ليلة القدر يارب العالمين.