خطبة الافتتاح الرسمي لمسجد سيد هشام بهبهاني

خطبة الافتتاح الرسمي لمسجد سيد هشام بهبهاني بقلم سماحة الشيخ علي حسن غلوم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله فاطر السماوات والأرض عالمِ الغيب والشهادة ديّان الدين رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين المبعوثِ رحمةً للعالمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
أقبِل أيها الصُّبح، أسرِع في الخطو، ارفُق بهذه النفس الحائرة، هلمّ إلى سوطك المشرق المضئ، فبدّد به الأوثانَ الماثلة، فرّق به الظِّلال المضطربة، وامحُ سواد جهلها المتزلزل.
أقبِل يا صبحَ سليلِ الأنبياء، أقبِل يا صبح سيدِ العرب، أقبِل يا صبحَ الآمال، أقبِل يا صبح الإنسانية المعذبة التي ما فتئت ترمق أفقَ الحياةِ الكريمة، لتتنفّس من عطركَ نفحاتِ الأمل.
وأذَّن مؤذّنُ البشرى: أنعمي صباحاً يا سمراء، لقد طابت الحياةُ منذ اليوم.. لقد أذِن الرحمنُ أن ينفجرَ عمودُ الصبح فيخرقَ حجبَ الظلام، وأن تدنوَ السماءُ من الأرض كما لم تدنُ من قبل، وأن ينبعثَ النورُ من آمنةَ الطُّهر لتُملأ الأرضُ مِن حولها نوراً يُبهر الأبصار، وعطراً تذوب معه القلوب، ولحناً تتغنّى به السماء.. وإذا بالوليد قد مسّ الأرضَ يتَّقيها بيديه رافعاً رأسه إلى السماء محدِقاً ببصره إليها كأنما يلتمس عندها شيئاً..
أيها الناس.. لقد أشرق نور محمد.. ونطقت الألسن باسمه، تمجيداً و تبجيلاً.. فيا لها من عظمةٍ تخرُّ لوقْعها الجباه، شكراً لباريها، على نعمةِ المبعوث للناس رحمةً محمدِ بن عبداللهِ الصادق الأمين هاديها. (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ).
أيها الأحبة لقد عاش النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من ستين سنة فقدّم فيها ما قدّم حتى إذا أزفَ الرحيل صدحَ بأمر ربه تاركاً الأمة في رعاية ربٍّ رحيم وكتابٍ مبين وعترةٍ هادية.
وإذا كان الثقلان ـ القرآن والعترة ـ هما تركة المصطفى في أمته، فإن المسجد ـ في المجتمع المسلم ـ هو القلب النابض بالحياة، ومتى ما كان المسجد فاعلاً بإيجابية في المجتمع، منسجماً مع قول الله تعالى (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) كان المجتمع كالجسد الواحد قوياً متماسكاً متعاوناً معطاءً، غنياً بالعلم، مهذّباً بالأخلاق، متسامياً في السلوك.
طيلة عشرين سنة مضت بذل أخي العزيز السيد جابر جهوداً جبارة من أجل أن يرى مشروعه ـ أعني هذا المسجد ـ أن يرى النور، وقرابة المليون دينار أُنفقت من قبل أسرة المرحوم السيد هاشم بهبهاني ـ مشكورين ـ في تشييد المسجد وتأثيثه، وهذا ما يحمّلني مسئولية أكبر بعنواني إماماً للصلاة ومرشداً دينياً، لأن الأطراف الثلاثة التقت على أن القيمة الرئيسية للمسجد تنطلق من حيث الدوافع الخيرة التي تدفع إليه، والأجواء التي تحيط به، والنتائج التي تتحقق من خلاله، والتي يجمعها قول أمير المؤمنين عليه السلام: (من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: آية محكمة، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، وكلمة تدله على الهدى، أو ترده عن ردى، وترك الذنوب حياءً أو خشية) فكلها انعكاسات لعطاءات المسجد الفاعل ومن خلال أنشطته وبرامجه. فهناك الجانب الروحي والبناء المعرفي والدور الاجتماعي والمسئولية الإعلامية وغيرها.
لقد أخذنا على عاتقنا منذ بداية مسيرتنا وعملنا في هذا المسجد أن يكون القرآن الكريم هو دستورنا في أداء مهمتنا الرسالية، ومدرسة النبي وآله هي التي ترسم لنا معالم طريقنا، وارتباطنا بالمرجعية الدينية هو الرافد لنا علماً وعملاً، ووطنيتنا هي شعارنا وعزّنا، لنعمل في ساحات ثلاث: في الدائرة الشيعية الخاصة بقضاياها وخصوصياتها، وفي الدائرة الإسلامية العامة دفعاً نحو مشاريع الوحدة والتقارب والتعايش، ومن ثم على مستوى الإنسانية جمعاء لأن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.
ولا أنسى هنا أختي المرأة، فهي صانعة الرجال ومربية الأجيال، ومسئوليتنا تجاهها، ومسئوليتها تجاه مجتمعها ـ لاسيما مع كل التحديات المعاصرة على مستوى العقيدة والفكر والأخلاق والسلوك ـ تحتّم أن يكون لها نصيب كبير من الاهتمام والنشاط.
ـ إخواني أخواتي: إن المسجد لا يستطيع أن ينهض بكل الشعائر والمهام والبرامج والأنشطة دون تفاعل إيجابي من قبل المصلين والأهالي، فهم الذين يبثون الحياة فيها، وهم الذين يشجعون القائمين على المسجد لبذل المزيد من الجهد والمال والوقت في هذا السبيل، وهم الذين يمدّون إمام الجماعة وإدارة المسجد ولجان العمل بالعقول والأيدي التي تساهم في إنجاز المشاريع وإنجاح الفعاليات. ولسنا نشك بأن هذا التفاعل الإيجابي يعد من أفضل القربات إلى الله تعالى، لأن المسجد هو بيت الله، وقد أمرنا أن نعمّره، وامتدح من ينهض بهذه المسئولية، وعمارته لا تتحقق إلا ببذل الجهد الخالص لوجهه سبحانه في كل ما ذكرناه وبالمقدار الميسور وفق متغيرات الظروف ومتطلبات الزمان والمكان. قال تعالى (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ). أسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم كل التوفيق، وأن يجعل هذا المسجد صرحاً مباركاً معطاءً ينهض بمسئولياته في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح ما أمكن إنه ولي التوفيق.