الصوم والقناعة

من الدّروس التي يعلّمنا إياها الصّوم في بعده العملي، أن نكون أصحاب قناعة بما نحن عليه من حال، وأن لا نتضجّر من ضيق الحال، وأن نعيش حال القناعة والرّضى بشكل ينعكس على أنفسنا ومن حولنا طمأنينةً وأمناً، فالقناعة وسيلة وركيزة تحمي الإنسان وتشعره بالسّعادة والهدوء، وبالتّالي، تجعله يعيش الحياة إقبالاً، وبكلّ عفويّة، على معايشتها دونما تعقيدات وإرباك وقلق.
وفي المقابل، فإنّ البعض يركض وراء تلبية أهوائه ومطامعه ومصالحه، ولا يرضى بما قسم الله له، ولا يكتفي بما هو فيه، بل يلهث على الدّوام وراء تلبية رغبات وحاجات ماديّة، فيصرف كلّ جهده ووقته في سبيل ذلك دونما التّفكير في أمور أخرى، فتتراجع روحانيّته وأخلاقيّته، وينعكس ذلك سلوكيّات منحرفة مع نفسه ومحيطه.
ولم يمنع الإسلام الإنسان من الطّموح وتحقيق أمانيه والتوسعة عليه وعلى عياله، ولكن {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}، بمعنى أن يعمل ما عليه وعلى الله التّوفيق، وإن لم يوفّق، عليه أن يقنع ويعيش القناعة حالة متأصّلة في نفسه، ليكون الإنسان المتوازن على الصّعيد الفردي والجماعي.
الصّوم يدرّبنا على التحمّل والصّبر، وصولاً إلى تأصيل القناعة وتجذيرها في ذواتنا، كحالة ثابتة راسخة، لأنّه يدعو إلى جهاد النزوات والرّغبات وفهم أبعادها وحجمها وحقيقتها، كما يدعو إلى النّظر والفهم العميق والدّقيق لحقيقة المادّة بكلّ أشكالها وتأثيراتها في الذّات والجماعة، وكيف عليهم أن يتعاملوا معها ويتفاعلوا على أساسها، ويحدّدوا طريقهم بين إغراءاتها وضغوطاتها.
إنّ الصّوم يزكّي لدى المؤمن خاصيّة القناعة، ويهذّبها ويطوّرها في حال انفتح الصّائم على معنى الصّوم الحقيقيّ في مخاطبته لقلب الإنسان وعقله، في الدّعوة إلى تحصين نفسه على قاعدة القناعة والرّضى، ليتحوّل المجتمع الإيماني والإنساني إلى مجتمع القناعة التي تقف في وجه أطماع البعض وإساءاتهم إلى الأسس الاجتماعيّة.
مجتمع الصّائمين هو الّذي ينعم بالقناعة الإيجابيّة الهادفة إلى تحقيق السّلام على المستوى الفردي والجماعي، فهل نحيي القناعة على المستوى العمليّ في زمن الأطماع والحسابات والمغريات؟!