الاستعداد للقاء الله

عن محمد بن الحسن الهمداني قال: (سألت ذا النون البصري قلت: يا أبا الفيض، لم صُيِّر الموقف بالمشعر ولم يصر بالحرم؟ قال: حدثني من سأل الصادق عليه السلام ذلك، فقال: لأن الكعبة بيتُ الله الحرام وحجابُه، والمشعرَ بابُه، فلما أن قصده الزائرون وقفهم بالباب حتى أذن لهم بالدخول، ثم وقفهم بالحجاب الثاني وهو مزدلفة، فلما نظر إلى طول تضرّعهم أمرهم بتقريب قربانهم، فلما قرّبوا قربانَهم وقضوا تفثَهم وتطهّروا من الذنوب التي كانت لهم حجاباً دونه، أمرهم بالزيارة على طهارة).
صحيح أننا دائماً بعين الله وتحت رقابته، ونلتقي به في صلواتنا اليومية وفي أوقات الدعاء، بل قد فتح الله لنا باب الدعاء في كل وقت وفي كل مكان وبلا شفيع ولا حجاب: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر:60]، وعن الإمام علي عليه السلام: (اعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء، وتكفل لك بالإجابة وأمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يعيرك بالإنابة)، إلا أن هناك لقاءات ذات امتياز تحتاج إلى استعداد وتهيئة حتى تكون بالصورة المثلى.. ومثال ذلك ما جاء في الخبر السابق حول الحج.
ونحن في شهر رمضان أيضاً موعودون بلقاء مميز مع الله برحماته وجوائزه وفواضله، في أعظم ليلة تمر على الإنسان في سنته، وبها ارتبط نزول كتاب الله الخالد (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).
والذي يتناسب مع هذا اللقاء هو الاستعداد المسبق لا الدخول الفجائي.. فمن يعيش حالة من الخمول في الإقبال على الله في أيام شهر رمضان ولياليه، بينما يعيش حالة محمومة من الإقبال على كل أنواع الملهّيات والأمور العبثية، ولا يتغير سلوكه ولا برنامجه اليومي إلا بمقدار الامتناع عن الطعام والشراب لسويعات، فإنه لن يقطف من ثمار ليلة القدر إلا القليل القليل.
ويراد للصيام أن يكون عاملاً مهماً في التحضير لهذا اللقاء، وفي الخبر أن موسى الكليم عليه السلام لما اختار من قومه سبعين رجلاً لميقات الله (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا) [الأعراف:155] أمرهم بالصيام.
إن هذا اللقاء المميز في ليلة القدر يمثل ذروة شهر رمضان، وهو يحتاج إلى إعداد روحي يترفّع من خلاله الإنسان عن الماديات والذنوب، ويعيش جواً من تطهير النفس والارتقاء المعنوي، وذلك من خلال الصيام والصلاة المفروضة والنافلة وتلاوة القرآن والدعاء والاستغفار، والإقبال على الله، فليراجع كلٌّ منا نفسَه وليقيِّم مدى رغبته في نيل تلك العطاءات العظيمة، ولينظر كيف يمكنه أن يهيئ نفسه لذلك لئلا تفوته تلك الليلة العظيمة بكل رحابتها.