دروس من حياة السيدة خديجة - السيد علي فضل الله / لبنان

في حياة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها الكثير من الدّروس، نختار منها ثلاثة:
1 ـ تجسيد السيِّدة خديجة للصّورة الفذّة والمشرقة عن المرأة في الإسلام، فهي ليست المغلوبة على أمرها، ولا الهامشيَّة الباحثة عن دورٍ خلْفَ دور الرّجل. وعندما نتحدَّث عن أركان البناء الإسلامي، نتحدَّث عن قيادة رسول الله صلى الله عليه وآله ومال خديجة وسيف عليّ. وعندما نتحدَّث عن حركة الإسلام بعد ذلك، نجد الزّهراء ونجد زينب، ونجد نماذج لا تُنسى، ومشاعل مسيرة من النّساء الواعيات المجاهدات.
إنّنا ما زلنا بحاجةٍ إلى أن نهتدي بسيرة خديجة، وبمشاعل مسيرة المرأة الإسلاميَّة الَّتي كانت شريكة الرّجل في التّبليغ، وشريكته في الجهاد، وشريكته في الصَّبر والعطاء والبذل... أليس في هذا ما يكفي لكي تظلّ المرأة المسلمة النّصف الفاعل في مجتمعاتنا؟!
لهذا، باسم الإسلام الَّذي كانت خديجة أوّل امرأة تنتسب إليه، ندعو إلى أن تنهض المرأة بنفسها وبطاقاتها، وأن لا تهمّش دورها على حساب صورٍ أخرى. وفي الوقت نفسه، ندعو المجتمع، والرّجل تحديداً، إلى أن لا يهمّشها.. نحن ندعو إلى أن لا تُحيَّد المرأة الجادّة الرّساليّة والواعية عن مواقع العمل أو القرار، ويجب أن يكون لها موقعها الفعليّ والحقيقيّ، تكتسبه بعملها وجهدها وإمكاناتها، لا بترتيب أو بواسطة أو "كوتا" كما يقولون.
2 ـ مخالفة السيّدة خديجة بزواجها من رسول الله القاعدة التّقليديَّة الّتي ترى في الزّواج مجرّد رغبة وتلبية حاجة، فيما الزّواج، هو بناء أسرة لإعداد المجتمع. لهذا فكّر رسول الله في الإنسانة الَّتي تشدّ أزره وتقف معه في مواجهة أعباء الحياة، لتكون عوناً له في أمر دينه ودنياه. وكذلك لم تفكّر السيّدة خديجة في من يوازيها مالاً وموقعاً، بل فكّرت في من يملك أخلاقاً وشخصيةً متميزة.
وهذه الصّورة نحتاج إلى أن نؤكّدها في عقول أبنائنا المقبلين على الزّواج، حيث بات الشَّكل والمال يتصدّران أساسيّات البحث عن الزّوجة، حتّى إنَّ البعض لا يستحي من أن يضع دفتر شروط ومواصفات حسيَّة، وكأنّه يريد سلعة. طبعاً الإسلام ليس ضدّ عمليَّة الميل والرّغبة بشيء محدّد، ولكن ليس على حساب الأمور الأهمّ، وخصوصاً أنَّ المجتمع الإسلاميّ بات يعاني من الكثير من الرّجال الَّذين لا يرغبون بالفتاة الجادة والمتّزنة بقدر ما يهرعون إلى زيجات يحكمها المال والجمال وصغر السّنّ .. ويكتشفون، ولكن بعد فوات الأوان، أنَّ النّضج والحكمة والوعي لدى الزّوجة هو ما يبني الأسرة على قواعد متينة، لا تهتزّ لأتفه الأسباب، فتنهار أو تكمل سيرها عرجاء ليدفع أبناؤها الثّمن.
وهنا نتذكّر كلام رسول الله صلى الله عليه وآله: (من تزوّج امرأةً لا يتزوّجها إلا لجمالها، لم ير فيها ما يحبّ، ومن تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلا لمالها، وكله الله إليه، فعليكم بذات الدّين..).
وفي المقابل، المطلوب أيضاً من الفتيات أن ينظرن إلى الأمر من الزّاوية نفسها، بعدم جعل المال والموقع أساس دفتر الشّروط في اختيار الزّوج، بل عليهنّ تطبيق ما نصح به رسول الله الأهل عندما قال: (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه).
3 ـ أمّا الدرس الثّالث الَّتي أكّدته السيّدة خديجة، فهو أنَّ المرأة بمقدورها أن تكون فاعلةً وناشطةً على مستوى مالها الشَّخصي، فلا سلطة لأحد عليها، ومن هذا المنطلق، حوّلت مالها إلى مالٍ رساليّ، تخدم به أهدافاً كبرى، وتبني فيه واقعاً وتسدّ فيه ثغرة.
ـ ملاحظة : الصورة لمرقد السيدة خديجة بنت خويلد في مقبرة المعلى في مكة المكرمة، وبجوارها مرقد القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله.