حلم الحسن نهج للتسامح الاجتماعي

من أبرز صفات الإمام الحسن عليه السلام)التي عرف بها صفة الحلم، حيث اشتهر عنه أنه (حليم أهل البيت)، روى المدائني عن جويرية بن أسماء قال: (لما مات الحسن أخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره، فقال له الحسين: تحمل اليوم جنازته وكنت بالأمس تجرّعه الغيظ؟ قال مروان: نعم كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال).
وهذه الصفة في الحقيقة هي منهج للتعامل الاجتماعي، عمل الإمام على إرسائه في حياته، وعلى أتباعه ومحبيه أن يقتدوا به في هذا المنهج.. إننا يجب أن نقرأ حلم الإمام الحسن عليه السلام كمنهج في التسامح الاجتماعي، ونعمل على تأهيل المجتمع بهذه الصفة.
الحلم لغة واصطلاحاً:
مصدر حَلُمَ فلان أي صار حليماً، قال ابن فارس الحِلم: خلاف الطيش، وقال الجوهري الحِلم الأناة.
واصطلاحاً: هو ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب كما يقول الراغب الأصفهاني.
قيل للإمام الحسن عليه السلام: ما الحلم؟ قال: (كظم الغيظ وملك النفس)، أي أن يسيطر الإنسان على نفسه، حينما يواجهه الآخر بتصرف مستفز، ذلك أن غريزة الغضب تتحرك عنده، لتحميه من الاستفزاز الموجه إليه، ولكن الحليم هو من يتحكم في توجيه هذه الغريزة، ولا يستخدمها إلا في ظرفها المناسب.. وكم من مظلوم تصرف تصرفاً طائشاً، وتحول بسبب ذلك التصرف إلى ظالم مدان، فأعطى الفرصة لعدوه، وعن الإمام علي عليه السلام: (الغضب شر إن أطلقته دمر).
صور من حلمه:
بعد اتخاذه قرار الصلح، ووجه من قبل بعض أصحابه بكلمات قاسية جداً، إذ قيل له: (أما واللَّه لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك). وقيل: (أخرجتنا من العدل إلى الجور). وقيل: (السلام عليك يا مذل المؤمنين). وقيل: (يا عار أمير المؤمنين) فيقول: (العار خير من النار).
ومثل هذه الكلمات لا شك أنها تستفز الإنسان، وتؤجج غيضه، لكن الإمام الحسن عليه السلام واجهها بحلم وأناة بالغين، واستطاع بذلك امتصاص الآثار والنتائج السلبية، التي يمكن أن تتمخض عنها.
وروي أنه كانت عنده عليه السلام شاة فوجدها يوماً قد كُسرت رجلها، فقال لغلامه: (من فعل هذا بها؟ قال الغلام: أنا. قال الإمام: لم ذلك؟ قال الغلام: لأجلب لك الهم والغم. فتبسم عليه السلام، وقال له: لأسرّك)، فأعتقه وأجزل له في العطاء.
واجتاز على الإمام شخص من أهل الشام، فجعل يكيل للإمام السب، والإمام ساكت لم يرد عليه شيئاً من مقالته، وبعد فراغه التفت فخاطبه بناعم القول، وقابله ببسمات فياضة بالبشر، قائلاً: (أيها الشيخ: أظنك غريباً؟ لو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أطعمناك وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك) ومازال عليه السلام يلاطف الشامي بهذا ومثله ليقلع روح العداء والشر من نفسه حتى ذهل ولم يطق رد الكلام، وبقي حائراً خجلاً كيف يعتذر للإمام وكيف يمحو الذنب عنه؟ وطفق يقول: (اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته).