خطبة الجمعة 4 رمضان 1434 ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : الاستعداد للقاء الله


ـ عن محمد بن الحسن الهمداني قال: (سألت ذا النون البصري قلت: يا أبا الفيض، لم صُيِّر الموقف بالمشعر ولم يصر بالحرم؟ قال: حدثني من سأل الصادق عليه السلام ذلك، فقال: لأن الكعبة بيتُ الله الحرام وحجابُه، والمشعرَ بابُه، فلما أن قصده الزائرون وقفهم بالباب حتى أذن لهم بالدخول، ثم وقفهم بالحجاب الثاني وهو مزدلفة، فلما نظر إلى طول تضرّعهم أمرهم بتقريب قربانهم، فلما قرّبوا قربانَهم وقضوا تفثَهم وتطهّروا من الذنوب التي كانت لهم حجاباً دونه، أمرهم بالزيارة على طهارة).
ـ صحيح أننا دائماً بعين الله وتحت رقابته، ونلتقي به في صلواتنا اليومية وفي أوقات الدعاء، إلا أن هناك لقاءات ذات امتياز تحتاج إلى استعداد وتهيئة حتى تكون بالصورة المثلى، ونحن في شهر رمضان موعودون بلقاء مميز مع الله برحماته وجوائزه وفواضله، في أعظم ليلة تمر على الإنسان، وبها ارتبط نزول كتاب الله الخالد (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).
ـ والذي يتناسب مع هذا اللقاء هو الاستعداد المسبق لا الدخول الفجائي.. فمن يعيش حالة من الخمول في الإقبال على الله في أيام شهر رمضان ولياليه، بينما يعيش حالة محمومة من الإقبال على كل أنواع الملهّيات والأمور العبثية، ولا يتغير سلوكه ولا برنامجه اليومي إلا بمقدار الامتناع عن الطعام والشراب لسويعات، فإنه لن يقطف من ثمار ليلة القدر إلا القليل القليل.
ـ ويراد للصيام أن يكون عاملاً مهماً في التحضير لهذا اللقاء، وفي الخبر أن موسى(ع) لما اختار من قومه سبعين رجلاً للقاء الله، أمرهم بالصيام.
ـ عن الصادق(ع): (إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده، إنما للصوم شرطٌ يحتاج أن يُحفظ حتى يتمّ الصوم، وهو صمت الداخل، أما تسمع ما قالت مريم بنت عمران: [إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا] يعني صمتاً. فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا، ولا تماروا، ولا تكذبوا، ولا تباشروا، ولا تخالفوا، ولا تغاضبوا، ولا تسابّوا، ولا تشاتموا، ولا تقاتروا) التكبر (ولا تجادلوا، ولا تتأذّوا، ولا تظلموا، ولا تسافهوا، ولا تضاجروا، ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة. والزموا الصمت والسكوت، والحلم والصبر والصدق، ومجانبة أهل الشرّ، واجتنبوا قول الزور والكذب والفري والخصومة، وظنّ السوء والغيبة والنميمة. وكونوا مشرفين على الآخرة، منتظرين لأيامكم، منتظرين لما وعدكم الله، متزودين للقاء الله، وعليكم السكينة والوقار والخشوع والخضوع وذلّ العبيد الخيّف من مولاه، خيّرين خائفين راجين مرعوبين مرهوبين راغبين راهبين. قد طهّرتم القلوب من العيوب وتقدَّسَت سرائرُكم من الخِب) الخداع (... إن الصوم ليس من الطعام والشراب، إنما جعل الله ذلك حجاباً مما سواها من الفواحش من الفعل والقول [الذي] يفطر
الصوم، ما أقلّ الصوّام و أكثر الجوّاع).
ـ إن هذا اللقاء المميز في ليلة القدر يمثل ذروة شهر رمضان، وهو يحتاج إلى إعداد روحي يترفّع من خلاله الإنسان عن الماديات والذنوب، ويعيش جواً من تطهير النفس والارتقاء المعنوي، وذلك من خلال الصيام والصلاة المفروضة والنافلة وتلاوة القرآن والدعاء والاستغفار، والإقبال على الله، فليراجع كلٌّ منا نفسَه وليقيِّم مدى رغبته في نيل تلك العطاءات العظيمة، ولينظر كيف يمكنه أن يهيئ نفسه لذلك لئلا تفوته تلك الليلة العظيمة بكل رحابتها.