سورية.. والعدل المنتظَر

عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً. ثم يخرج رجل من عترتي أو أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً).. من الواضح ان العدل هو محور حركة الإمام المهدي عليه السلام وغايتها، وهو ما يتسق مع غاية من غايات إرسال الأنبياء عليهم السلام طوال التاريخ: {لقَدْ أرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: 25).

دعوة وقوّة:

تحقيق هذه الغاية احتاج الى استعمال القوة في مواجهة الباطل في بعض المواضع، بعد أن أقام الأنبياء حججهم وأتمّوها، فواجهتهم مجتمعاتهم بالعدوان والعنف والقتل والتشريد وإعلان الحرب، مما اضطرهم لمواجهة القوة بالقوة كما نقرأ في تتمة الآية: {وَأنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ان اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وكذلك سيلجأ الإمام المهدي عليه السلام الى استعمال القوة في مواجهة الظلم المنتشر.
ولعل الفارق بين سيرة الأنبياء وبين حركة الإمام المهدي هي أنهم يستغرقون في الدعوة وتبليغ الكتاب والرسالات والتشريعات السماوية مدداً طويلة، ثم تبدأ المواجهة بالقوة.. بينما يبدو أن ظروف حركة الإمام المهدي مختلفة من هذه الناحية، ولن تستدعي الظروف أو لن تسمح للاستغراق في الدعوة طويلاً، لتصل الأمور بعد ذلك الى مرحلة المواجهة القتالية، بل لربما تكون المدة الفاصلة قصيرة.

المهدي إمام العدل:

وعلى كل حال، يبقى أن العدل دون ترديد هو العنوان المرتبط بظهور الإمام المهدي، وبالتالي فإن أنصاره هم المناصرون للعدل، وان المعسكر الآخر الذي سيقاتله هو المعسكر المناصر للظلم. ولذا فإن على كل إنسان يدعو بتعجيل الفرج والظهور أن يراجع نفسه ليرى إن كانت مواقفه في حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مع العدل أم مع الظلم.

الولاية والسياسة:

من خلال تتبعي للتعليقات على التويتر وما يدور من نقاش أرى ان كثيراً من الإخوة بدأت تختلط عندهم المفاهيم والمواقف، حتى دخلت بعض الركائز الإيمانية عندهم في حالة من الضبابية، فمسألة الولاية عندنا كأتباع لمدرسة أهل البيت عليهم السلام تمثل مرتكزاً أساسياً في المعتقد وفي التشريع.. الولاية لله وللرسول ولآل بيته ممن أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.
وقد نُهينا عن تولي الكافرين والظالمين ولو كانوا أقرب الناس الينا رَحِماً: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإخْوَانَكُمْ أوْلِيَاء ان اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلى الإيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (التوبة: 23).. نعم قد تستدعي بعض الظروف الدخول في تحالفات سياسية معينة عندما تلتقي المصالح على أمر ما، دون أن يعني ذلك تمييع مفهوم الولاية، ولا انسحاب الحالة السياسية على المتبنيات العقائدية والقيم الأخلاقية والوظائف الشرعية التي تمثِّل ركائز الشخصية الإيمانية.

الوضع في سورية:

الوضع القائم في سورية الآن (خربط) الأمور عند الناس، اذ لم يعد كثيرون قادرين على التفريق بين الموقف السياسي وبين الموقف العقائدي.. لا أريد أن أناقش هنا أو أقيِّم أو أحكم على الانحياز الشيعي العام إلا ما استُثني لموقف السلطة الحاكمة في سورية في الصراع القائم.. كما أنني لا أريد تصحيح موقف أو تأييد أي طرف من أطراف المعارضة ممن تحالف منهم مع الشيطان، ومن يحشد كل إرهابي تكفيري حاقد لذبح الأبرياء، والتمثيل بالجثث، وغير ذلك من المشاهد المقززة التي عمّت في الانترنت، وبيّض بها أصحابها وجوه خوارج ذلك الزمان.
بل أريد مناقشة جانب آخر من المسألة.. اذ بات كثيرون يتحدثون عن النظام الحاكم في سورية من منطلق ولائي مبدئي، وكأن النظام الحاكم في سورية يمثّل جبهة الإيمان والولاء والحق والعدل.. هنا نقع في الخطأ الكبير، فهذا النظام نظام بعثي ظالم فاسد، كان الى قبل سنتين يفتح معسكرات التدريب للقاعدة وأمثالها، ويفتح حدوده للإرهابيين من كافة أنحاء العالم لقتل أهل العراق وتفجير المراقد والمساجد والحسينيات والمواكب، ولن يتوانى عن تكرار الأمر لو استدعت مصلحته ذلك.
ومن سخريات القدر، أو من سنن الله سبحانه ان العراق كان يشتكي من فتح سورية لحدودها للإرهابيين يجولون ويصولون عبرها كيفما شاؤوا، واليوم تشتكي سورية من فتح هذه الحدود وعودة الارهابيين اليها.. هذا النظام أوصل شعبه الى حالة من القهر دفعتهم الى الثورة، ثم سرعان ما تم سرقة الثورة وتحويل الأزمة الى مسرح للصراع الدولي ولحرب استنزاف لسواد عيون الصهاينة وتحقيق المصالح الاستكبارية.

الموقف الروسي:

فما بال البعض أضاع البوصلة حتى بات يتحدث عن حزب البعث وكأنه يمثل امتداداً للولاية السماوية؟ بل ليتجاوز الأمر ذلك، حتى باتت القوة الاستعمارية الشرقية روسيا في نظر البعض أمل المؤمنين ونصيرة المستضعفين وغير ذلك من المفاهيم المغلوطة والتي حذّر منها القرآن مراراً وتكراراً: {ألمْ تَرَ الَى الَّذِينَ تَوَلّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ} (المجادلة: 14).
لو جلَسَت روسيا على طاولة المفاوضات ووجدت ثمناً مقدَّماً من الغرب يسيل له لعابها، فإنها لن تتوانى في ان تبيع مواقفها كما باعتها مراراًً، وقد قال تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ ان اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى ان تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (المائدة: 51 – 52).

موقفان مختلفان:

إن علينا أن نفرّق بين الموقف السياسي وبين المبادئ الولائية.. علينا ان نكون مع العدل، لأن تحقيق العدل من أسس مهام الأنبياء، وعنوان ثورة الإمام المهدي المنتظر، فحذارِ أن تميل قلوبُنا للظالمين، فنُخرج أنفسَنا من ولاية المهدي الى ولاية أعدائه.. حذارِ ان نبيع قِيَمنا ونحن نشاهد قتل الأبرياء، فلا تتحرك فينا شعرة، فضلاً عن ان نفرح لذلك، لمجرد أنهم من المعسكر الآخر.
ولنتذكر كيف انقلب حال صفوان الجمّال حين قال له الإمام الكاظم عليه السلام: (يا صفوان، كلُّ شي‏ءٍ منك حَسَنٌ جميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جُعلت فداك أيّ شي‏ء؟ قال: اكراؤك جمَالَك من هذا الرجل يعني هارون قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للهو، ولكني أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكّة ولا أتولاه ولكنْ أبعثُ معه غلماني، فقال لي: يا صفوان، أيقع أكراك عليهم؟ قلت: نعم جُعلت فداك، فقال لي: أتحبُّ بقاءَهم حتى يَخرجَ كراك؟ قلت: نعم، قال: فمن أحبَّ بقاءهم فهو منهم، ومَن كان منهم ورد النّار. فقال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها).
هكذا يكون التولّي والتبرّي في مدرسة الإسلام في تعاليم أهل البيت. ولنعلم أن من يعيش الازدواجية في المعايير بين العدل والظلم لن يكون من جند إمام العدل المنتظر، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى ألاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إن اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة: 8).

تعليق سريع:

الانتخابات على الأبواب، فتزودوا بالتقوى، لأن الإثارة الطائفية والإفك والبهتان والغيبة والكذب كلها قادمة بقوة للوصول الى كرسي البرلمان، فالشقي من يبيع آخرتَه بدنياه، والأشقى من يبيع آخرته بدنيا غيرِه.