مهزلة التكفير المذهبي - الشيخ محسن عطوي - لبنان

متى يَكْفُر المسلمُ وفقاً لرؤية هذا المذهب أو ذاك؟
أجمعت الامامية على ان المسلم لا يُحكم عليه بالكفر ما دام مؤمناً بأركان الاسلام الثلاثة: التوحيد والنبوة والمعاد، مهما خالف جمهور المسلمين في تفاصيل العقائد وفروعها، أو في مفاهيم الشريعة وخطوطها العامة وأحكامها الفقهية، بما في ذلك ما لو أنكر ضرورة من ضرورات الدين، كوجوب الصلاة أو حرمة الزنى، اذا كان ذلك الانكار نتاج شُبهة عرضت، ولم يكن تكذيباً للنبي صلى الله عليه وآله وتعمّداً لانكار ما يعلم أنّه من الشريعة المطهرة. كما أنهم يرون ان ماله ودمه وعرضه محترم ومصون، ذلك انه لما كان الأصل في الايمان هو الاعتقاد الواعي بالأركان الثلاثة، كان الكفر هو انكار هذه الأركان أو بعضها، اما مباشرة، أو بفعل أو قول ما يستلزم انكارها كلاً أو بعضاً عن وعي وتعمد. وحيث ان مدار الايمان على العقل فان مدار الكفر عليه.

اختلاف في المعيار:

أمّا غير الامامية من علماء المذاهب الأخرى، فقد اختلفوا في المعيار الذي يكون به الانسان مسلماً أو كافراً، اختلافاً شديداًً، حيث عبّر عنه بعضهم بقوله: (ثم اعلم ان باب التكفير عظمت فيه المحنة والفتنة، وكثر فيه الافتراق والمخالفة، وتشتّتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم، وتناقضت فيه رسائلهم..)، ورغم أنهم كما يبدو متوافقون على ألا دخل للعقل في ذلك، فانهم قد اختلفوا في موجباته اختلافاً كبيراً، بين قائل بعدم كفر أحد من أهل القبلة، ومن أفرط فقال بكفر من توسل بالأولياء أو استعاذ بالجن.

مسؤولية مواجهة التكفير:

ان من الأهمية بمكان كبير ان يُولى هذا الموضوع عناية استثنائية، ما دام سيكون ركناً أساساً في تصحيح نظرة المسلم لأخيه ومناصرته له وتَوحّده معه، لاسيما وقد تفشى في زماننا هذا تكفير المسلم لأخيه واستحلاله لدمه لمجرد فتاوى غير دقيقة، سواء من كان منهم على مذهبه أو لم يكن، فاضطرب من أجل ذلك أمن المسلمين وتصدعت وحدتهم وبدت فيهم البغضاء والعصبية، ودخل العدو بمكره وكيده في بعض أحزابهم أو أعمالهم، فصار يُذكْي هذه الفُرقة ويُسعّر الفتنة ويبالغ في القتل والبغي، وبالتأكيد، فانه لا يمكن معالجة مشكلة التكفير الا بالحرص الكبير ومن الجميع دون استثناء بأن يلتقوا ويتحاوروا ليتعارفوا، ثم ليتوحدوا على التناصر في ما هم متفقون عليه، وأيضاً على احترام ما هم مختلفون فيه وتفهم مسوغاته.