غوته.. نموذج الانفتاح والحوار - محمد فضل الله


امتاز الشّاعر الألماني (يوهان فولفغانغ فون غوته: 1832-1794) بانفتاحه العميق والحيّ على الثّقافة العربيّة الاسلاميّة، ومثّل في أعماله أنموذجاً في التّسامح، اذ عُرِفَ عنه شدّة حبّه واهتمامه بالثّقافة الاسلاميّة، كما سعى في أعماله الأدبيّة، ولاسيما (ديوان شرقي غربي)، الى مدّ جسور التواصل الانساني والحضاري بين الشّعوب، بعيداً عن لغة صراع الثّقافات. ويرى ناقدون ان المكوّن الاسلامي العربي في أعمال (غوته) أساسيّ، بحسب الباحثة الألمانية (كاثرينا مومزن)، الّتي ترى ان (غوته) مدين بأعماله للثّقافة العربيّة الاسلاميّة، فهو مطّلع على القرآن الكريم والمعلّقات الشعرية العربية، والشعر الفارسي المتمثّل بشعر (حافظ الشيرازي)، وغيرها.
تأثره بالقرآن:
وأما تأثره بالقرآن، فيظهر واضحاً في هذه القصيدة: (لله المشرق، ولله المغرب، والشّمال والجنوب يستقرّان في سلام يديه)، وفي ذلك محاكاة واضحة لقوله تعالى في سورة البقرة: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} (البقرة: 115). ولا زالت سورة النّاس مكتوبة بخطّ يده ومحفوظة بين أوراقه الخاصّة، وهو القائل ذات يوم: (انّنا جميعاً نحيا ونموت مسلمين).. لقد كان شديد الاهتمام بالاسلام والقرآن الكريم، وعبّر في كلّ مراحل حياته عن احترامه واجلاله للاسلام، من خلال فهمه الدّقيق والعميق له، وهذا ما ترك أثراً واضحاً على شخصيّته وانتاجه الأدبي والشّعري.
ولـ (غوته) مقولة مشهورة يصف فيها اللّغة العربيّة، توضح مدى اهتمامه وحبّه ودقّة وصفه لها، اذ يقول: (ربّما لم يحدث في أيّ لغة هذا القدر من الانسجام بين الرّوح والكلمة والخطّ مثلما حدث في اللّغة العربيّة). فهو يصوّر روعة هذه اللّغة وجماليّاتها، وما تمتلك من قوالب لفظيّة ومعنويّة، وما تملك من خصائص وجماليّات، تعبّر بشكل دقيق وابداعيّ عن مشاعر الانسان وأفكاره، عبر وسائل حيّة وفاعلة ومتجدِّدة لا تعرف الرّتابة ولا الجمود والانحسار، بل تواكب كلّ ما يستجدّ ويتعلّق بقضايا الانسان والوجود عامّة.
لقد حاول (غوته) وأمثاله التغلّب على ضيق الأفق والأفكار النمطيّة السّائدة في أوروبّا عن الاسلام، والارتقاء بالمستوى الحضاري والانساني العام، عبر رفع مستوى الثّقافة والوعي لدى الأوروبيّين أوّلاً، والعالم ثانياً، على الرغم من بقاء البعض على مواقفهم المفتقرة الى الفهم والتّقدير والتّعاطف والتّسامح.