خطبة الجمعة 12 شعبان 1434 ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: هل نحن مع العدل المهدوي؟


ـ عن النبي الأكرم(ص): (لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً. ثم يخرج رجل من عترتي أو أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً).
ـ من الواضح أن العدل هو محور حركة الإمام المهدي(ع) وغايتها، وهو ما يتسق مع غاية من غايات إرسال الأنبياء(ع) طوال التاريخ: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)[الحديد:25].
ـ تحقيق هذه الغاية احتاج إلى استعمال القوة في مواجهة الباطل في بعض المواضع، بعد أن أقام الأنبياء حججهم وأتمّوها، فووجهوا بالعدوان والعنف والقتل والتشريد وإعلان الحرب، مما اضطرهم لمواجهة القوة بالقوة كما نقرأ في تتمة الآية: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، وكذلك سيلجأ الإمام المهدي(ع) إلى استعمال القوة في مواجهة الظلم المنتشر.
ـ ولعل الفارق بين سيرة الأنبياء وبين حركة الإمام المهدي هي أنهم يستغرقون في الدعوة وتبليغ الكتاب والرسالات والتشريعات السماوية مدداً طويلة، ثم تبدأ المواجهة بالقوة.. بينما يبدو أن ظروف حركة الإمام المهدي مختلفة من هذه الناحية، ولن تستدعي الظروف أو لن تسمح للاستغراق في الدعوة طويلاً، لتصل الأمور بعد ذلك إلى مرحلة المواجهة القتالية، بل لربما تكون المدة الفاصلة قصيرة، والله العالم.
ـ وعلى كل حال، يبقى أن العدل ـ دون ترديد ـ هو العنوان المرتبط بظهور الإمام المهدي(ع)، وبالتالي فإن أنصاره هم المناصرون للعدل، وأن المعسكر الآخر الذي سيقاتله هو المعسكر المناصر للظلم.
ـ ولذا فإن على كل إنسان يدعو بتعجيل الفرج والظهور أن يراجع نفسه ليرى إن كانت مواقفه في حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مع العدل أم مع الظلم.
ـ وهنا أريد أن أتوقف عند مسألة حساسة، وأرجو أن لا يستعجل أحد بالحكم على ما سأقول، وأن لا يُفسَّر كلامي بغير ظاهره، وسأكون صريحاً وواضحاً، ولربما سيزعج كلامي البعض، وأعلم أن كلامي سيُفسَّر عن جهل أو عمد بصورة أخرى، وسيُحمَّل ما لا أقصده، ولكنني أشعر بالمسؤولية، والله المستعان.
ـ من خلال تتبعي للتعليقات على التويتر وما يدور من نقاش أرى أن كثيراً من الإخوة بدأت تختلط عندهم المفاهيم والمواقف، حتى دخلت بعض الركائز الإيمانية عندهم في حالة من الضبابية.
ـ مسألة الولاية عندنا كأتباع لمدرسة أهل البيت(ع) تمثل مرتكزاً أساسياً في المعتقد وفي التشريع.. الولاية لله وللرسول ولآل بيته ممن أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.
ـ وقد نُهينا عن تولي الكافرين والظالمين ولو كانوا أقرب الناس إلينا رَحِماً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[التوبة:23]
ـ نعم قد تستدعي بعض الظروف الدخول في تحالفات سياسية معينة عندما تلتقي المصالح على أمر ما، دون أن يعني ذلك تمييع مفهوم الولاية، ولا انسحاب الحالة السياسية على المتبنيات العقائدية والقيم الأخلاقية والوظائف الشرعية التي تمثِّل ركائز الشخصية الإيمانية.
ـ الوضع القائم في سوريا الآن (خربط) الأمور عند الناس، إذ لم يعد كثيرون قادرين على التفريق بين الموقف السياسي وبين الموقف العقائدي.
ـ أنا لا أريد أن أناقش هنا أو أقيِّم أو أحكم على الانحياز الشيعي العام ـ إلا ما استُثني ـ لموقف السلطة الحاكمة في سوريا في الصراع القائم، وأرجو أن لا يأتي أحد ويقول لي لاحقاً هل تريد لنا أن نقف مع خوارج العصر، وعملاء أمريكا، فأنا لا أتحدث عن موقف سياسي أو عسكري.
ـ كما أنني لا أريد تصحيح موقف أو تأييد أي طرف من أطراف المعارضة التي تحالفت مع الشيطان، وحشدت كل إرهابي تكفيري حاقد لذبح الأبرياء، وقد انتشر في اليومين الماضيين مقطع الفيديو الذي يُظهر ذبحهم لرجل كما تُذبح النعاج، ثم قتلهم امرأتين بالرشاشات وهم يضحكون.
ـ ويأتي هذا بعد المشهد الوحشي والمقزز لأحد قادتهم وهو يشق الصدر ويلوك قلب ضحيته، ومشاهد عديدة بيَّضوا بها وجوه خوارج ذلك الزمان.
ـ أريد هنا مناقشة جانب آخر من المسألة، إذ بات كثيرون يتحدثون عن النظام الحاكم في سوريا من منطلق ولائي مبدئي، وكأن النظام الحاكم في سوريا يمثّل جبهة الإيمان والولاء والحق والعدل.
ـ هنا نقع في الخطأ الكبير، فلا تنسوا أن هذا النظام نظام بعثي علماني ظالم فاسد، كان إلى قبل سنتين يفتح معسكرات التدريب للقاعدة وأمثالها، ويفتح حدوده للإرهابيين من كافة أنحاء العالم لقتل شيعة العراق
وتفجير المراقد والمساجد والحسينيات والمواكب، ولن يتوانى عن تكرار الأمر لو استدعت مصلحته ذلك.
ـ ومن سخريات القدر، أو من سنن الله سبحانه أن العراق كان يشتكي من فتح سوريا لحدودها للإرهابيين يجولون ويصولون عبرها كيفما شاؤوا، واليوم تشتكي سوريا من فتح هذه الحدود وعودة الإرهابيين إليها.
ـ هذا النظام أوصل شعبه إلى حالة من القهر دفعتهم إلى الثورة، ثم سرعان ما تم سرقة الثورة وتحويل الأزمة إلى مسرح للصراع الدولي ولحرب استنزاف لسواد عيون الصهاينة وتحقيق المصالح الاستكبارية.
ـ فما بالنا أضعنا البوصلة حتى بات البعض يتحدث عن حزب البعث وعن رئيسه وكأنه يمثل امتداداً للولاية السماوية.. وبات المرء يخشى أن يخرج علينا من يضع حديثاً عن رجل اسمه اسم حيوان يمهّد للمهدي إلخ الأساليب التي يلجأ إليها البعض ليوظِّف الدين لمصالح سياسية.
ـ بل تجاوز الأمر ذلك، حتى باتت القوة الاستعمارية الشرقية روسيا في نظر البعض أمل المؤمنين ونصيرة المستضعفين وغير ذلك من المفاهيم المغلوطة والتي حذّر منها القرآن مراراً وتكراراً: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ)[المجادلة:14].
ـ لو جلَسَت روسيا على طاولة المفاوضات ووجدت ثمناً مقدَّماً من الغرب يسيل له لعابها، فإنها لن تتوانى في أن تبيع مواقفها كما باعتها مراراً وتكراراً، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ،
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ)[المائدة:51-52].
ـ إن علينا أن نفرّق بين الموقف السياسي وبين المبادئ الولائية.. علينا أن نكون مع العدل، لأن تحقيق العدل من أسس مهام الأنبياء، وعنوان ثورة الإمام المهدي المنتظر، فحذارِ أن تميل قلوبُنا للظالمين، فنُخرج أنفسَنا من ولاية المهدي إلى ولاية أعدائه.. حذارِ أن نبيع قِيَمنا ونحن نشاهد قتل الأبرياء، فلا تتحرك فينا شعرة، فضلاً عن أن نفرح لذلك، لمجرد أنهم من المعسكر الآخر. ولنتذكر كيف انقلب حال صفوان الجمّال حين قال له الإمام الكاظم(ع): (يا صفوان، كلُّ شي‏ءٍ منك حَسَنٌ جميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جُعلت فداك أيّ شي‏ء؟ قال: إكراؤك جمَالَك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للهو، ولكني أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكّة ـ ولا أتولاه ولكنْ أبعثُ معه غلماني، فقال لي: يا صفوان، أيقع أكراك عليهم؟ قلت: نعم جُعلت فداك، فقال لي: أتحبُّ بقاءَهم حتى يَخرجَ كراك؟ قلت: نعم، قال: فمن أحبَّ بقاءهم فهو منهم، ومَن كان منهم ورد النّار. فقال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها).. هكذا يكون التولّي والتبرّي في مدرسة الإسلام في تعاليم أهل البيت الذين ندّعي ولايتهم.. ولنعلم أن من يعيش الازدواجية في المعايير بين العدل والظلم لن يكون من جند إمام العدل المنتظر، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المائدة:8]، فهل من مدّكِر؟
ـ ختاماً تعليق سريع: الانتخابات على الأبواب، فتزودوا بالتقوى، لأن الإثارة الطائفية والإفك والبهتان والغيبة والكذب كلها قادمة بقوة للوصول إلى كرسي البرلمان، فالتعيس من يبيع آخرتَه بدنياه، والأتعس من يبيع آخرته بدنيا غيرِه. اللهم عجِّل لوليِّك الفرج واجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.