حاملة اللواء - عمار كاظم


عاشت الحوراء زينب عليها السلام تحوطها عناية الجد العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، ورعاية أبويها أمير المؤمنين علي وأمها فاطمة سيدة نساء العالمين عليهما السلام، والكل ينظر إليها نظرة العطف والحنان، يقرأ في شخصيتها المستقبل المحزن والفاجعة المروعة لآل محمد وفي ظل الطفولة الوادعة الطاهرة.. زينب التي احتضنها رسول الله و ضمّها إلى صدره، أذّن في أذنها اليمنى وأقام في اليسرى، ودعا الله أن تكون قرّة عين له ولأمّها وأبيها، وأن تكون في خدمة الإسلام والمسلمين، بعدها توجّه إلى الزّهراء وعليّ عليهما السلام، وقال لهما سمياها زينب.
عاشت السيّدة زينب طفولتها الأولى في كنف جدّها رسول الله، الّذي أغدق عليها حبّاً وعاطفة وحناناً، كما أغدق على أخويها الحسن والحسين عليهما السلام، وتربّت في بيت لم يكن كبقيّة البيوت، بيتٍ كان مهبط قلب رسول الله صلى الله عليه وآله، بيت يفِدُ إليه في ذهابه وإيابه وقبل سفره وبعد رجوعه منه، هو البيت الّذي لطالما نزل فيه الوحي: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(الأحزاب/33)، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا}(الإنسان/8-9)، {قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشّورى/ 23). هو بيت الخُلُق والعلم والبطولة والعبادة والصّبر والجهاد في سبيل الله.
في هذا البيت، ترعرعت السيّدة زينب وعاشت، فحظيت برعاية أمّها في حياتها القصيرة معها، وبعد ذلك، برعاية أبيها الإمام عليّ، الّذي حرص على أن تُصاحبه إلى كلّ الأمكنة الّتي تنقّل فيها، فكانت تسكن حيث يسكن، لم تفارقه حتّى بعد زواجها، وحتّى بعد انتقاله إلى الكوفة عندما تسلّم الخلافة. وهي الصَّابرة، فقد واجهت أمرَّ المصائب الّتي مرّت على هذا البيت الطّاهر، إذ عاشت مصاب فقدِ رسول الله، ومعاناة أمّها الزّهراء وأبيها، وما عاناه الحسن والحسين، لكنَّها كانت تواجه كلّ ذلك بإيمان وصبر وعنفوان.
كان الحسين عليه السلام يستشيرها عند كلّ موقف، وكان يجد لديها الحكمة والعقل الرّاجح وحسن التّدبير. كانت عليها السلام تعرف حجم التحدّيات الّتي ستواجهها مع الحسين وبعده؛ والتّضحيات الّتي ينبغي أن تعدّ نفسها لها، فقد كان عليها أن تجمّد عاطفتها لحساب الرّسالة، لذا التزمت جيّداً بما قاله لها: (يا أختاه، إنّي أقسمت عليك فأبرّي قسمي، لا تشقّي عليّ جيباً ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدعي بالويل والثّبور). إن علاقة زينب بالله تبارك وتعالى تعطينا صورة واضحة عن مدى تأثير تلك العلاقة في روحها التي تنمرت في ذات الله ولم تأخذها فيه لومة لائم .