خطبة الجمعة 14 رجب 1434 ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : التكالب على الدنيا


من وصية الإمام علي(ع) لابنه الحسن وهو يحذّر من الاغترار بأهل الدنيا الذين أخلدوا إليها، فمهما كانت صورتهم جميلة في الظاهر، ومهما تصورت أنهم متنعمون فإن حقيقة الحال مختلفة قد تخفى عن الآخرين قال(ع): (إِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا، وَتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَبَّأَكَ اللهُ عَنْهَا، وَنَعَتْ لَكَ نَفْسَهَا) كل مظاهر الأفول والتغير التي تشهدها في الموجوات فيها.. تغير من عز النضارة إلى ذل الشيخوخة.. ومن الحياة إلى الموت.. كلها تدل على أن هذه الدنيا إلى زوال، ولا خلود فيها، ولا خلود لها. ـ (وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا) انظر إلى الصراعات والحروب والأوبئة، انظر إلى السجون، انظر إلى المستشفيات، انظر إلى الأحقاد الكامنة في النفوس، انظر إلى كل صور المساوئ، سيتضح لك أن الصورة الجميلة التي ترسمها ليست هي الصورة الحقيقية للدنيا، بل هي صورة جزئية.
ـ (فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلاَبٌ عَاوِيَةٌ، وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ، يَهِرُّ بَعْضُهَا بَعْضاً، يَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا، وَيَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا) وما أقبحها من صورة.. وكأنه(ع) يتنزع الصورة من الآية القرآنية [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ].
ـ (نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ، وَأُخْرَى مُهْمَلَةٌ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا، رَكِبَتْ مَجْهُولَهَا، سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْث، لَيْسَ لَهَا رَاع يُقيِمُهَا، وَلاَ مُسِيمٌ يُسِيمُهَا) تخيل هذه الصورة، مجموعة كبيرة من الإبل، منها ما هو مربوط لا يستطيع الحراك، لأنه حبيس الأمور المادية.. ومنها ما يسرح في حالة من الضياع والتعرض للمخاطر في واد يصعب السير فيه لرخاوة أرضه.. بحثاً عن الآفات التي تضر وتُهلك.
ـ (سَلَكَتْ بِهِِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى، وَأخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى، فَتاهُوا فِي حَيْرَتِهَا، وَغَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا، وَاتَّخَذُواهَا رَبّاً، فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَلَعِبُوا بِهَا، وَنَسُوا مَا وَرَاءَهَا. رُوَيْداً يُسْفِرُ الظَّلاَمُ).