منهج التَّفسير عند الشَّيخ محمَّد جواد مغنيَّة - الشَّيخ حسين المصطفى ـ القطيف

لقد كنت وأقراني ـ قبل أكثر من ثلاثين عاماً تقريباً ـ نلتهم بشوق كلّ ما يصل إلينا من كتابات الشيخ محمد جواد مغنية؛ هذا العالم الجليل الذي برز في شتى العلوم والثقافات، فقد كانت كتاباته بالنسبة إلينا، في تلك الفترة، الهواء النَّقي الَّذي نتنفَّسه. ويمكننا أن نسلّط الضَّوء على أبرز هذه السّمات:
أولاً: السّمة الغالبة على كتابات العلامة الشيخ محمد جواد مغنية، أنها تهدف إلى مخاطبة الجيل الصاعد من شباب المسلمين، لا مخاطبة المفكّرين والباحثين إلا من جهات قليلة. ومن هنا، نلاحظ أنّ لغته ابتعدت عن مخاطبة طبقة النخبة من العلماء والمفكرين إلى حدٍّ معيَّن.
ثانياً: يبرز دوره الإحيائي والتنويري في إعداد الرواد لحركة الإصلاح الدّيني في العالم الإسلامي في النّصف الثاني من القرن العشرين.
ثالثاً: تطرَّق الشيخ محمد جواد مغنية في مؤلفاته إلى مختلف إشكاليّات النَّهضة والإحياء والإصلاح بصورة عقلانيَّة جادّة.
وكان القرآن من أهم مشاغله في القسم الأخير من حياته، حيث قدّم إسهامين جديدين:
أولهما: تفسير الكاشف في مجلّدات سبعة.
وثانيهما: التفسير المبين في مجلّد واحد، والهدف منه التبسيط والوصول إلى أكبر قدر من القرّاء.
عناصر منهجه في التفسير:
إننا نعتبر أنَّ لكلّ مفسر للقرآن أدوات تأسيسيَّة نكتشف منها عناصر منهجه التفسيري. أما ما يميز العلامة الشَّيخ محمَّد جواد مغنية (رحمه الله) في هذا الصَّدد، فيمكن أن نجليه في ثلاثة عناصر:
الأول: (الواقع) في المنظومة الفكرية العامة للشيخ مغنية الذي كان له حضور بارز عنده، ولذا كثيراً ما برزت جدليته الرائعة بين النص (كفقيه) والواقع. وهذا مفاد قول الإمام الصادق(ع): (الْعَالِمُ بِزَمَانِهِ، لَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ اللَّوَابِسُ). ولكنَّ إقحام الواقع في تجربة التفسير أمرٌ تشوبه مخاطر قد تفضي بالمفسّر لتطويع النص والتلاعب به كما حصل كثيراً، ومن هنا، كان الواقع في علاقته مع النص مساهماً لتثويره ومعيناً لاستنطاقه، أكثر من كونه سلطة تلعب به وتؤوّل مفاداته.
الثاني: (الشفافية والوضوح)، حيث يرتكز خطابه على عنصر التيسير واللغة المبسّطة. وقد بلغ اليسر في اللغة التي استخدمها مغنية حدّاً قلّ نظيره في أوساط الكتّاب الشيعة، حتى في كتبه العلمية التخصصيَّة، وهي ظاهرة لم تتكرر حتى وقتنا هذا.
الثالث: (النقد وجرأة اللغة)، وهذا ما امتاز به أسلوب الشيخ محمد جواد مغنية؛ فلم يقتصر على نقد المدارس السّائدة في زمانه (الماركسية، والرأسمالية، وغيرها)، بل مارس نقداً لاذعاً لأخطاء الموروث الديني التقليدي. وفي تفسير (الكاشف)، مارس الشيخ ـ كعادته ـ نقداً صريحاً للأوضاع القائمة في العالم الإسلامي، فكرياً واجتماعياً وسياسياً.
مميّزات الأسلوب:
لقد امتاز أسلوب الشَّيخ مغنية (رحمه الله) بشفافية غير معتادة، فقد بلغ به ذلك حدّ الحديث بصراحة وصدق إلى قارئه، حتى عن خصوصياته النفسيَّة وتجاربه الشخصيَّة، كما هو الحال في كتابه (تجارب محمد جواد مغنية). وهي قد تعاب على المؤلف في بعض المؤلفات الأكاديميَّة والتخصصيَّة، وقد لاحظنا ذلك في تجربته في التَّفسير... ولكنَّها في الوقت نفسه، تساعد على هدم التَّباعد بين الأفكار المنتجة وإنتاجها عند الباحث نفسه، وهذا ما نجده عند الشيخ مغنية بارزاً في تفسيره (الكاشف)؛ إذ يسير بقارئه رويداً رويداً، ويشرح له كيف تنامت عنده فكرةٌ ما، أو تفاعلت الأفكار مع بعضها البعض، ويصارح قارئه بأفكار اختلجته أو مواقف وأحداث أحاطت به.
ملاحظات:
ولكنَّ بعض الباحثين لديهم عدة ملاحظات جوهريَّة على منهجه في التفسير، يمكن تلخيصها فيما يلي:
1ـ يغلب الطّابع النقدي على نتاجات مغنيَّة، بما فيها تفسيره الكاشف، أكثر من الطّابع التأسيسي، رغم اشتمال أفكاره على الكثير من الإسهامات الفكريَّة والبنيويَّة الهامّة، ومع كون التفسير مظهراً جيداً لمشروع إعادة الإنتاج الفكري، بيد أنّ الشيخ مغنية غلب عليه الطّابع النَّقدي.
2ـ جرى تبسيط بعض الأفكار إلى حدّ مبالغ فيه، وتمّ استبعاد بعض الموضوعات الهامَّة، كاللغة والنحو والصرف والبلاغة، تحت ستار أنها تعيق تكوين الخطاب العصري، وهذا ما جعل من (تفسير الكاشف) تفسيراً هادفاً دينياً بالنسبة إلى الشباب، ولكنَّنا لا نستطيع أن نقدّمه على أنه خطوة مكتملة للجهد التفسيري.