اخدعوهم لعلهم يرجعون... مقال للشيخ علي حسن غلوم

عمد يهود المدينة إلى استخدام أساليب عدة أملاً في تحطيم كيان المسلمين، وقد تحدث القرآن الكريم عن بعض منها، فكان فيما ذكره من أساليبهم قوله عزوجل (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (آل عمران:72-74) مكيدة اليهود:
وتتلخص مكيدتهم في إعلان بعض اليهود بأنهم طلاب الحقيقة، وأنهم دخلوا في الإسلام أملاً في تحقيق مبتغاهم. وقد تواصوا فيما بينهم بالحذر من فضح الأسرار وإلا فإن المسلمين سيكتشفون خطتهم، وخوفاً من أن يؤتى أحد من غير بني إسرائيل مثل ما أوتوا من النبوّة والرسالة، بعد أن يطلع (الأغيار) على خصائص الأنبياء وكيفية الاصطفاء الإلهي لهم!! وحذراً من أن يؤدي علم المسلمين بأسرار المعارف اليهودية إلى المحاججة عند الله ضد اليهود في يوم القيامة.
وهكذا بدأت المكيدة، حتى إذا اطمئنّ المسلمون إليهم بدؤوا بطرح الأسئلة والتشكيكات على البسطاء منهم، ومن ثم يعلن هؤلاء اليهود أنهم ما وجدوا في الإسلام ما أرادوا، وأن الإسلام ملئ بالتناقضات، ولا يقترب من الحقيقة الخالصة، وأن دين اليهود أقرب منه إليها.
الفضيحة:
ولكنَّ الله فضحهم، وأمر النبي أن يردّ عليهم بالكلمة الحاسمة التي تضع القضية في نصابها الصحيح: فليس الهدى حالةً طارئة يحصل عليها الإنسان بأيّ ثمن.. ثم إن الفضل بيد الله يُعطيه لمن يريد، والله واسع في عطائه، عليم يعرف ما يصلح الإنسان وما يُفسده، فيوجهه إلى ما فيه الخير له في الدُّنيا والآخرة، انطلاقاً من رحمته التي وسعت كلّ شئ. والله هو الذي يختص برحمته من يشاء بحسب حكمته، ولا يرجع إليكم فيمن يختار للنبوة، أو فيمن يهدي إلى الحق.وليس لأحد غيره أيّ فضل.. فمنه الفضل وإليه يرجع كلّ شيء سبحانه وتعالى عمّا يُشركون.
المكيدة البرلمانية:
وهذا يفرض على المسلمين التحرّك الواعي من أجل رصد النماذج المماثلة سواء في الساحة الدينيّة أوالاجتماعيّة أوالسياسيّة، فقد يُحاول الكثيرون أن يخلقوا الارتباك والتشويش والبلبلة بالأساليب المماثلة لهذا الأسلوب.
كما يجرنا إلى تساؤل مشروع انطلاقاً من التنبيه القرآني: هل ما وصلت إليه علاقة الناس بالمجلس من برودة وعزوف وتململ ناشئة في جانب منها عن خطة مماثلة؟ قد لا تكون هذه هي كل الحقيقة، ولكن كيف نفسر الإصرار على التهديد والوعيد والقيام بالاستجوابات من بعض قبل السادة النواب وعلى أبسط الأمور والبلد غارق في التخبط، والأولويات مفقودة، والسلطة التنفيذية بعيدة جداً عن مستوى الطموح ومتطلبات المرحلة؟ بل إن سلسلة التهديدات بالاستجواب وفركشة الوزارة القادمة امتدّت إلى السادة المرشحين، بل و قبل فتح باب الترشيح؟
إن الحديث الدائر عن كفر الناس بالمجلس والحياة البرلمانية، والعزوف عن الانتخابات ـ انتخاباً وترشيحاً ـ مؤشر خطير، لاسيما مع تأكيد القيادة العليا في البلد إيمانها بالحياة النيابية وضرورة استمرارها.
كفر بالمشاركة الشعبية:
مقالة على الانترنت يعنونها صاحبها كالتالي: (العزوف عن الانتخاب بدأ يشق طريقه إلى عقول الناخبين) والتعليقات التي أعقبت المقالة من قبل القراء كانت كالتالي:
1. لا تلومونا يا ناس أننا سوف نعزف عن المشاركة بالانتخابات القادمة لأننا لا نرى أناساً أكفاء وطنيين.
2. شكراً لك الأخ الكريم "........." وأعتقد أنت لا تلوم هالمواطن إللي تعب.
3. أنا أحيي عزوف الناخبين عن الانتخابات هذه الأيام.
4. والله والله والله زين يسون وخلوهم يولون هالـ"........" من إعطاء الأصوات لهم.
وجاءت خمسة تعليقات أخرى تطالب بالوعي وانتخاب الأفضل، وواحدة تجرّح في كاتب المقال.. فإذا ضممنا هذا النموذج إلى العازفين أصلاً فيما مضى عن المشاركة فالرقم سيكون قابلاً للملاحظة والاهتمام.
تحليل واستنتاج:
استبيان من إحدى الجهات الأهلية تضمن سؤالاً واحداً هو: (هل ستصوت في انتخابات أمة 2009؟)، فجاءت النتيجة أن 65 % من المشاركين في الاستبيان عازفون عن المشاركة في الانتخابات!! وإن صح ذلك، فلابد من التعامل مع الموقف بنفس المنطق القرآني، أي من خلال بعث الثقة في نفوس المؤمنين بالقضية، والتأكيد على أنَّ هذه الأساليب لا تضرّ أحداً إذا كان على بيّنة من أمره، والتوعية المستدامة لئلا ينخدع الناس بما يثار.
إن النزعة السلبية الساذجة والتي تدفع في اتجاه عزوف الناخبين عن المشاركة في التصويت تعبيراً عن اليأس والإحباط مرفوضة، أما النزعة الموجبة الواعية التي تتمثّل في إحداث تجديد في الحياة السياسية، وإجراء تغيير مستحق على تركيبة الطبقة السياسية في مجلس الأمة والسلطة التنفيذية فهي المطلوب.
وعلينا أن نعي أنه كما قال الله تعالى أن الهدى راسخ في وجدان المؤمنين وعقولهم، وليس حالة عابرة وسطحية، فكذلك المشاركة الشعبية في الكويت حالة راسخة، وهي جزء من هوية الكويتي، وليست حالة طارئة سطحية يمكنهم أن يتنازلوا عنها.
نشر هذا المقال بجريدة الوطن الكويتية في صفحة منتقى الجمان بتاريخ 25 إبريل 2009، :