موسى الكاظم عند الذهبي

جاء في كتاب (سير أعلام النبلاء) للذهبي، مجلد 6، ترجمة رقم 118: (موسى الكاظم الإمام القدوة السيد، أبو الحسن العلوي، والد الإمام علي بن موسى الرضى، مدني نزل بغداد، وحدّث بأحاديث عن أبيه... ذكره أبو حاتم فقال: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين. قلت: له عند الترمذي وابن ماجه حديثان. قيل إنه ولد سنة ثمان وعشرين ومئة بالمدينة. قال الخطيب: أقدَمَه المهدي بغداد وردَّه، ثم قدمها. وأقام ببغداد في أيام الرشيد قدم في صحبة الرشيد سنة تسع وسبعين ومئة، وحبسه بها إلى أن توفي في محبسه. ثم قال الخطيب: أنبأنا الحسن بن أبي بكر، أنبأنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، حدثني جدي يحيى بن الحسن بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين، قال: كان موسى بن جعفر يُدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده.
روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسجد سجدة في أول الليل فسُمِعَ وهو يقول في سجوده : (عظم الذنب عندي، فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى، ويا أهل المغفرة). فجعل يرددها حتى أصبح. وكان سخياً كريماً، يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصُرَّة فيها ألف دينار. وكان يصرُّ الصُّرَرَ بثلاث مئة دينار، وأربع مئة، ومئتين، ثم يقسمها بالمدينة... محمد بن عبد الله البكري، قال: قدمتُ المدينة أطلب بها دَيْناً، فقلت: لو أتيتُ موسى بن جعفر فشكوتُ إليه، فأتيتُه بنَقَمَى في ضيعته فخرجَ إلي وأكلتُ معه فذكرت له قصتي فأعطاني ثلاث مئة دينار. ثم قال يحيى: وذكر لي غيرُ واحد، أن رجلاً كان بالمدينة يؤذيه ويشتم علياً، وكان قد قال له بعضُ حاشيته: دعنا نقتله، فنهاهم وزجرهم. وذُكِرَ له أن (الرجل) يزدرع بأرض، فركب إليه في مزرعته فوجده، فدخل بحماره، فصاح (الرجل): لا توطىء زرعنا. فوطىء بالحمار حتى وصل إليه فنزل عنده وضاحكه، وقال: كم غرمت في زرعك هذا؟ قال: مئة دينار. قال: فكم ترجو؟ قال: لا أعلم الغيب، وأرجو أن يجيئني مئتا دينار. فأعطاه ثلاث مئة دينار، وقال: هذا زرعك على حاله. فقام (الرجل) فقبَّل رأسه، وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وجعل يدعو له كل وقت. فقال أبو الحسن لخاصته الذين أرادوا قتل (الرجل): أيما هو خير؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟).
تعليق على ما سبق: كم نحن بحاجة إلى معالجة السلبيات التي تصدر من الآخر المختلف معنا في الانتماء المذهبي مثلاً من خلال الأسلوب الذي اعتمده الإمام موسى الكاظم عليه السلام مع هذا الرجل المسئ إليه.. وليس بالضرورة أن نجيّر مثل هذه المعالجات للموارد أن يتوقع من خلالها الإنسان أن يغيّر فيها قناعات الآخرين في ما يخص انتماءاتهم المذهبية أو آرائهم العقائدية، ولكن يكفي أن يكون وسيلة لتحقيق مبدأ التعايش السلمي بين مكوّنات المجتمع، والرجوع إلى الطبيعة التكوينية للبشرية والتي تندرج تحت عنوان: (لتعارفوا).. وليس لتتخاصموا، ولا لتتلاعنوا، ولا لتتشاتموا، ولا لتتقاتلوا.