عاقبة العناد

(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ)[فصلت:5].. هذه الآية وإن كانت تتحدث عن ردة فعل المشركين تجاه آيات القرآن الكريم وتجاه الكلام الحق والمنطقي الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينذرهم به، إلا أنها ردة فعل متوقعة من كل إنسان معاند. هنا يتحدث المشركون ـ وبأسلوب استهزائي ـ عن مصدر الوعي، أي العقل.. فعقولهم ـ بحسب تعبيرهم ـ مغطاة بأغطية تحجب عنها كل ما يمكن أن يأتيها من الخارج، وبالتالي فهم لا يمكنهم فهم ما يأتيهم به النبي.
ثم يتحدثون عن منافذ تكوين المعرفة، وأولها الأذن، فهي أيضاً غير قادرة على استقبال الكلام، لأن فيها ثقل من الصمم .. ثم هناك حجاب ومانع بيننا وبينك يا محمد!! يمنعنا من أن نفعّل بقية حواسنا كالبصر واللمس، فكيف تتوقع منا أن نعي ما تقول؟ وأخيراً فإنهم يعلنون عن موقفهم النهائي، فهم مستمرون في مواقفهم المضادة تجاهه، الرافضة لدعوته.. فاعمل يا محمد ما تحب أن تعمله، وسنواجهك بكل ما نملك من وسائل المواجهة، ولن نمكّنك مما تريد، مهما كلفنا ذلك.
منطق مشابه:
نفس هذا المنطق نجده في كثير من صور الصراع والجدال بين الأديان، أو بين المذاهب، أو في النطاق السياسي، وحتى العلمي والثقافي، والنتيجة في الكل واحدة، وهي الحرمان من معرفة الحقيقة.
وحتى في الإطار الاجتماعي نجد صورة مماثلة.. ففي الخلافات بين الزوجين مثلاً، كثيراً ما يُغلِق كلُّ طرف منابع الوعي ومنافذ المعرفة لديه، لأنه في النهاية لا يريد الحق، بل يريد الانتصار للذات، وهنا تكمن المشكلة، ولذا كان الإنصاف من النفس من (سيد الأعمال) بحسب تعبير الرواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، لأنه أمرٌ شاقٌّ جداً لارتباطه بمجاهدة الذات وكبريائها ورغباتها.
وعي وتفعيل:
فالمطلوب إذاً أن يكون البحث عن الحقائق ومن ثم وعيها هو غاية في حد ذاته، ليترتب على أثر ذلك الموقف الصحيح، وبحسب المروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: (رحم الله امرءً سمع حُكماً فوعى، ودُعي إلى رشاد فدنا، وأخذ بحُجزة هادٍ فنجا).
وفي حكمة له عليه السلام يوضح فيها أسس الكفر العقدي وكذلك الكفر العملي مما قد يقع فيه الإنسان المسلم أيضاً: (والكفر على أربع دعائم: على التعمق) الذهاب خلف الأوهام طلباً لمعرفة الأسرار (والتنازع والزيغ والشقاق) أي العناد (فمن تعمق لم يُنِب إلى الحق. ومن كثُر نزاعُه بالجهل دام عماه عن الحق. ومن زاغ ساءت عنده الحسنة، وحَسُنت عنده السيئة، وسَكِرَ سُكر الضلالة. ومن شاقّ وعُرَت عليه طرُقُه، وأعضل عليه أمرُه، وضاق عليه مَخرَجُه).