حركية السيد الشهيد الصدر - عمار كاظم

من سمات شخصية الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه العاطفة الحارة والأحاسيس الصادقة والشعور الأبوي تجاه كل أبناء الأمة، وهو القائل في مواجهة حكومة البعث الصدامية آنذاك: (يا أخوتي ويا أبنائي من أبناء الموصل والبصرة، من أبناء بغداد وكربلاء والنجف من ابناء سامراء والكاظمية، من أبناء العمارة والكوت والسليمانية، من أبناء العراق في كل مكان، إني أعاهدكم بأني لكم جميعاً، ومن أجلكم جميعاً، وأنكم جميعاً هدفي في الحاضر والمستقبل، فلتتوحد كلمتكم، ولتتلاحم صفوفكم تحت راية الإسلام ومن أجل إنقاذ العراق من كابوس هذه الفئة المتسلطة، وبناء عراق حر كريم، تغمره عدالة الإسلام، وتسوده كرامة الإنسان، ويشعر فيه المواطنون جميعاً على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم بأنهم إخوة، يساهمون جميعاً في قيادة بلدهم وبناء وطنهم، وتحقيق مثلهم الإسلامية العليا المستمدة من رسالتنا الإسلامية وفجر تاريخنا العظيم) .
يلتقيك بوجه طلق تعلوه ابتسامة تشعره بحب كبير وحنان عظيم يصغي باهتمام كبير ورعاية كاملة وكان يقول: ( ماذا يريد هؤلاء؟ هل يريدون أن أتعامل مع الناس بجفاء وخشونة؟ هل يريدون أن لا أمنحهم حبي؟ إذ كيف يمكن للأب أن يربي أبناءه بقلب لا يحبهم؟ أليس هؤلاء هم الذين سيحملون راية الإسلام ويدافعون عن كرامة القرآن؟ إذا كنا لا نسع الناس بأموالنا فلماذا لا نسعهم بأخلاقنا وقلوبنا وعواطفنا؟). السيد الشهيد من الشجرة النبوية المباركة اقتبس أخلاقه وسلوكه من حياة جده المصطفى الرسول الكريم الذي كان خلقه القرآن رسول الله الذي كان عظيما في فكره ووعيه وقمة في عبادته وتعلقه بربه الأعلى رائدا في أساليب تعامله مع أسرته والناس جميعا مثالا في حسم الموقف والصدق في المواطن ومواجهة المحن فما من فضيلة إلا ورسول الله سابق لها وما من مكرمة إلا وهو متقلد لها. السيد الشهيد نهل من هذا المنبع الصافي فكان مثالا حيا وتطبيق عمليا لسيرة جده المصطفى صلى الله عليه وآله.
ومن الجوانب الرائعة في حياة السيد الشهيد عبادته التي كان ينقطع فيها انقطاعا كاملا لله تعالى من الإخلاص والخشوع والخضوع والتسليم: (إني آليت على نفسي منذ الصغر أن لا أصلي إلا بحضور قلب وانقطاع، فأضطر في بعض الأحيان إلى الانتظار حتى أتمكن من طرد الأفكار في ذهني حتى تحصل لي حالة من الصفاء والانقطاع وعندها أقوم للصلاة) وهكذا عندما يتلو القرآن الكريم يتلوه بصوت حزين وشجي ودموع جارية يخشع القلب لسماعه وتسمو النفس وهو في حالة عجيبة من الانقطاع والذوبان مع معاني القرآن الكريم.
قال فيه العلامة السيد محمد حسين فضل الله رضوان الله عليه الذي واكب الحركة الإسلامية مع السيد الشهيد في النجف الأشرف: (لقد كان السيّد الشّهيد يعيش قلق المعرفة، وكان يحاول أن يقرأ المجتمع، ولهذا كان يعمل على أن يلتقط التّجربة ممن عاشوا المجتمع وعرفوا مفرداته واتجاهاته واطّلعوا على مفاهيمه في الواقع، وكان يملك الذهنيّة الحادّة الّتي تلتقط الفكرة من بعيد حتى كأنها تعيش بين يديه، وكان يلتقط الملاحظة الدّقيقة وكأنها بارزة بين يديه. ومن هناك، كان السيد محمد باقر الصدر لا يعيش فرقاً بين ما يقرأ وبين ما يعيشه الآخرون، فهو ينطلق بالقراءة، القراءة بالكتاب، أو القراءة من خلال الانطباعات الّتي يكوّنها الآخرون، ليفهم المجتمع كأفضل ما يكون الفهم. وهكذا رسم الحركة الإسلاميّة، وبدأ التّخطيط لها فكريّاً، ثمّ حرّكها عمليّاً، فواجه التحدّيات من خلالها، حتى كانت شهادته قمّة حركيّته، وكانت شهادته العنوان الكبير للإنسان الّذي يجاهد بالفكر كما يجاهد في أرض المعركة. وهكذا كان الإنسان الّذي كتب المستقبل بدمه، بعد أن كتب الفكر الإسلاميّ بقلمه، وقلّة هم الّذين يتناسب حبر دمائهم مع حبر أقلامهم، لينطلقا معاً ليكوّنا حركة الحياة فكراً وجهاداً ومستقبلاً حيّاً يؤذن بالنّصر ولو بعد حين).