مثيرو الفتن المذهبية في الأمة - الشيخ حسين الراضي / الإحساء


الفتن المذهبية، لا يمكن أن يكون لها تأثير قوي، ما لم يكن لها أرضية تتناسب معها، وأشخاص يحرّكونها في واقع الأمّة. كما إن مثيري الفتن، يتواجدون داخل المذهب، كما يتواجدون خارجه في الإطار الإسلامي العام، أو من أتباع الديانات الاخرى.
مثيرو الفتن من داخل المذهب:
وهم على أقسام متعددة:
ـ التعصب المذهبي المبني على الجهل: كثير ممن يريد أن يخدم مذهبه ويدعو إليه ولكنه هو أول من يجهله وحينئذ يكون الأمر على عكس ما توخاه فقد ينفر الآخرين لأجل تصرفه المبني على الجهل. وهنا قد تطرح الأسئلة المغرضة على الأفراد لأجل إحراجهم وأخذ مستمسكات ضدهم وقد وقع في التاريخ كثيرا. كما اتهم بعض علماء الجرح والتعديل من أهل السنة بعض علمائهم بالتشيع والرفض، واتهم بعض الشيعة بعض علمائهم بالتسنن.
ـ النفعيون: وهؤلاء شريحة كبيرة في داخل كل مذهب، فلا تتم أمورهم المادية أو المعنوية إلا إذا حصلت فتنة كبيرة.
ـ سيطرة النظرة الضيقة: كثير من الناس الذين يعيشون الهموم ذات الأطر الضيقة وينظرون النظرة قصيرة المدى يبتلون بمثل هذه الفتن ويكونون جزءاً من المشكلة وليسوا حلاً لها، وفي النصين التاليين نرى مدى اختلاف النظرتين بين السائل والمسؤول بين نظرة الناس الذين سألوا أمير المؤمنين عليه السلام وهمومهم التي يعيشونها، وبين نظرة الإمام أمير المؤمنين والهموم التي يعيشها، فأولئك يعيشون مصالح معينة ونظرة قصيرة المدى بينما يعيش أمير المؤمنين علي مصلحة الإسلام والمسلمين:
قَالَ السَّيِّدُ ابْنُ طَاوُسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ (كَشْفِ الْمَحَجَّةِ لِثَمَرَةِ الْمُهْجَةِ): (... كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلامُ كِتَاباً بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنَ النَّهْرَوَانِ وَأَمَرَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى النَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. فَغَضِبَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَالَ: قَدْ تَفَرَّغْتُمْ لِلسُّؤَالِ عَمَّا لا يَعْنِيكُمْ، وَهَذِهِ مِصْرُ قَدِ انْفَتَحَتْ، وَقَتَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَيَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا مُصِيبَتِي بِمُحَمَّدٍ، فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ إِلا كَبَعْضِ بَنِيَّ. سُبْحَانَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ نَرْجُو أَنْ نَغْلِبَ الْقَوْمَ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ إِذْ غَلَبُونَا عَلَى مَا فِي أَيْدِينَا).
وهنا يتبين لنا من غضب الإمام علي عليه السلام وعدم رضاه بمثل هذا السؤال، خطورة القضية والدخول فيها كما يريد السائل، وإلا يمكن للإمام عليه السلام أن يجيبه بأقصر كلمة.
ـ ضعف المذهب: كثير من أتباع بعض المذاهب يعوزه الدليل المقنع في أي قضية عقدية أو فقهية أو سياسية أو مشكلة معينة لا يتمكن من حلها فيستبدل ذلك بإثارة الفتن المذهبية.
ـ الخوف على المذهب: يخاف بعض أفراد المذاهب، من أن أتباع مذهبه في حالة خطر ليس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم بل على تحولهم الفكري والثقافي والعقدي من مذهبهم إلى مذهب آخر وهنا الوسيلة لدفع هذا الخطر ـ المتصور وقد يكون وهمياً ـ هو أن يهاجم المذاهب أو المذهب الآخر بالسب والشتم واللعن والتكفير والتضليل والكذب والبهتان والتضييق عليهم في الجانب السياسي وحتى القتل والتشريد ظناً منه أن هذا هو الطريق الوحيد الذي يحفظ أتباع ذلك المذهب. وهذا تصور خاطئ وعلاج عقيم لا ينتج ما يتوخاه من قام بمثل هذا العمل بل يزيد في الطين بلة وفي الطنبور نغمة ويضيف إلى ضعف مرتكزات ذلك المذهب ضعفاً آخر، وقد حذر أئمة أهل البيت عليهم السلام أتباعهم من هذه الطرق اللا أخلاقية وغير شرعية وغير الناجحة سياسياً.
مثيرو الفتن من خارج المذهب:
أـ من المسلمين:
ـ الجّهَّال: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)[الكهف:104]
ـ النَّفعيون: الذين يعيشون ماديا على الفتن المذهبية باسم الدعوة لذلك المذهب.
ـ محاربة المذاهب الأخرى: فمن يريد أن يسقط المذاهب الأخرى فقد يكون الطريقة الناجحة لديه هي إثارة الفتن المذهبية.
ب ـ من غير المسلمين: وأهم سبب في نظرهم، هو الاستيلاء على المسلمين وبلادهم ونهب خيراتهم وقد لا يكتفى بالحروب العسكرية، فتستعمل الحروب المذهبية.
الاحتراز من الفتن:
قال مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّضِيُّ فِي نَهْجِ الْبَلاغَةِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: (لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ، وَلَكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مَضَلَّاتِ الْفِتَنِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ).
أما الاحتراز من الفتن، فيكون بأمور عدّة، أهمّها: الالتزام بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والتعوّذ من الفتن، كما جاء في الحديث الصحيح: (اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي عَلَى كِتَابِكَ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأَعِذْنِي مِنَ الْفِتْنَةِ)، والتمسك بمنهج علي وأولاده المعصومين عليهم السلام، الذين لم يدخلوا أحداً في ضلال ولم يخرجوه من باب هدى. وأخيراً، التزام وصية علي عليه السلام: (كُن فِي الفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ لا ظَهْرٌ فَيُركَب ولا ضِرْعٌ فَيُحلَب).