حقوق الإنسان

(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[الإسراء:70].
موضوع حقوق الإنسان ليس من المواضيع الدخيلة على المفاهيم الإسلامية، وإن تصوَّر البعض أنها مفردة مستوردة في زمن قريب.. وهذا خطأ بيّن. وسواء أكانت لدينا نصوص تذكر الأمر بعنوانه ومضامينه كما في (رسالة الحقوق) للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، أو تذكره بمضامينه كما نشهد ذلك في الكثير من آيات القرآن الكريم وفي أحاديث النبي وآله عليهم السلام، فالحقيقة تبقى أن موضوع حقوق الإنسان حاضر بقوة في الإسلام على مستوى الفكر والتشريع والأخلاق.
بين الحقوق والعبادة:
بل إننا نجد أن الإسلام يتعامل بحساسية مع هذا الموضوع حتى في الإطار العبادي، ففي الحج مثلاً نجد أن أداء حقوق الناس وقضاء حوائجهم من العناوين التي تسمح بقطع شعيرة عبادية كالطواف الذي يأتي به الفرد خالصاً لوجه الله سبحانه كما في الخبر التالي: (عن أبان بن تغلب قال: كنت أطوف مع أبي عبد الله ـ أي الإمام جعفر الصادق ـ عليه السلام فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إليّ فكرهت أن أدع أباعبدالله عليه السلام وأذهب إليه، فبينما أنا أطوف إذ أشار إليّ أيضاً فرآه أبو عبد الله عليه السلام فقال: (يا أبان إياك يريد هذا؟ قلت: نعم. قال: اذهب إليه، قلت: فأقطع الطواف؟ قال: نعم. قلت: وإن كان طواف الفريضة؟ قال: نعم، قال: فذهبت معه).
وهكذا الأمر في الحث على الامتناع عن مزاحمة الناس لتقبيل الحجر الأسود كما في الحديث أن رجلاً أتى الإمام جعفر الصادق عليه السلام في الطواف فقال: (ما تقول في استلام الحجر؟ فقال: استلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما أراك استلمته؟! قال: أكره أن أوذي ضعيفاً أو أتأذى).
إحياء الحقوق:
فالمطلوب هو التركيز على موضوع حقوق الإنسان وإبرازه بقوة في صبغته الإسلامية، ولربما يكون من صور ذلك مثلاً تجميع مسائله المبعثرة في الأبواب الفقهية، وإفراد باب خاص بها، وهكذا الأمر في كتب الأخلاق التي تطرح المسائل الحقوقية بصورة مبعثرة ضمن بحوث الغيبة والبهتان والكذب وتتبع عيوب الآخرين وغير ذلك مما يتعلق بهتك كرامة الإنسان وشخصيته مثلاً.. كما أن من وسائل ترسيخ هذا الموضوع المهم هو إدخاله في المناهج التعليمية بصورة واضحة ومنفردة، وتوجيه جانب من الخطاب الديني في هذا البحث، وغير ذلك.. لكي يعيش الفرد المسلم واقع المسؤولية تجاه هذا الأمر.
غياب الوعي لدى الأبناء:
ولعل أبسط مثال على غياب وعي الأبناء لهذه المسألة ما نشهده من ممارسات قد تبدو عفوية من قبل بعضهم عند الخروج من المدرسة، ولكنها تعكس مشكلة متأصلة في التربية.. ويكفيك أن ترقب تصرفاتهم للحظات، لتجد أحدهم يركل زميله ويلكمه، والآخر يتلف ملكية خاصة لزميل له، أو لمعلم، أو للمنازل التي يمر بها أثناء عودته إلى منزله.. وهكذا.
هذا يؤكد على أننا بحاجة إلى أن تصبح مفردة حقوق الإنسان ثقافة عامة عندنا، ومن ثم عند الجيل الجديد، ثقافة تنطلق من خلال وعي حق الجار، والأخ المسلم، والإنسان المستضعف، ومستخدم الطريق، والوافد الغريب، والصاحب في السفر، والخادم في المنزل وغير ذلك من العناوين التي لا تغيّر من حقيقة أن الله كرّم بني آدم، وأن علينا أن نحفظ للإنسان كرامته، فهذا من أصول الإسلام.