حكم التعدّي على الآثار

تبرز من حين لآخر دعوات وحالات من الاعتداء أو التّخريب أو السّيطرة على آثارٍ قديمة أو حديثة نسبيّاً، وبدوافع متنوّعة، فما حكم المحافظة على هذه الآثار أو عدمه في ضوء أحكام الشّريعة الإسلاميّة؟
ومن الآثار ما هي غير منقولة، وهي الثّابتة المتّصلة بالأرض، سواء أكانت مشيّداً عليها أم موجودة في باطنها، أكانت تشييداً أو بناءً قديماً أو بقايا آثار أو أبنية قديمة، مثل: الكنائس، المعابد، القصور، البيوت، المدافن، القنوات المشيدة، السّدود ونحوها، وأيضاً المواقع الطبيعيّة الّتي ساهمت في بنائها الأيدي البشريّة مثل: الملاجئ تحت الصّخور، المغارات، والصّخور المشتملة على تصاوير أو نقوش أو حفر أو كتابة.. وهناك الآثار المنقولة، أي المفصولة عن الأرض، مثل المنحوتات، والمسكوكات، والصّور، والنّقوش، والمخطوطات، والمنسوخات، والمصنوعات ونحوها.
والسّؤال: إذا كان الإسلام قد دعا إلى السّير في الأرض والنّظر في آثار الأمم السّابقة للاعتبار والاتّعاظ، فهل يجب المحافظة عليها أم لا؟ يقول تعالى: {أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[غافر:82].
المرجع السيد محمد حسين فضل الله: (لا مانع من النّاحية الشرعيّة من الإبقاء على تلك الآثار والحفاظ عليها، وإنما المحرَّم هو ممارسة العبادة المحرّمة، وما يخالف الشّرع الحنيف، فتلك الآثار تنفع في الاتّعاظ والاعتبار، كما أمر الله تعالى في السّير في الأرض والنّظر في عاقبة الأمور السّابقة، وتنفع في الدّراسة والمعرفة العلميّة. ويفرَّق شرعاً بين الآثار الخاصّة الّتي ترجع إلى مالكي الأرض أو مورّثيهم فتكون للمالك، وبين الآثار العامّة، وهذا ما ينبغي أن يرجع أمر الحفاظ عليه إلى الجهات الرّسميّة لحفظه وإبقائه في اتجاه المنفعة العامّة للنّاس).
وفي سياقٍ متّصل، وعن حفر مواقع الآثار العامّة واستخراج قطع منها، وبيعها في الدّاخل أو تهريبها إلى الخارج، فإن العلماء يمنعون من ذلك، ولا فرق إن كانت هذه الآثار إسلاميّة أو غير إسلاميّة.
وقد سئل المرجع الديني السيد علي السيستاني: يقوم البعض بحفر مواقع الآثار في مناطق مختلفة في العراق واستخراج قطع منها وبيعها في الداخل أو تهريبها إلى الخارج وبيعها هناك فهل يجوز ذلك؟ فجاء الجواب: سماحة السيد يمنع من ذلك .
وجاء في سؤال آخر: لقد نُهبت – كما تعلمون – كمية كبيرة من مقتنيات المتحف العراقي في بغداد بعد سقوط النظام السابق، وقد هُرّب قسم منها إلى خارج العراق:
س1: فهل يجوز لمن يقع شيء منها في يده أن يحتفظ به لنفسه أو يمنحه لغيره؟ والجواب: لا يجوز، بل لابدّ من إعادته إلى المتحف العراقي.
س2: وما حكم شراء ما يعرض منها للبيع في الداخل أو في الخارج ؟ والجواب: لا يصحّ شراؤه أي لا يصبح ملكاً لـ (المشتري) فلو تسلّمه وجب عليه إرجاعه إلى المتحف المذكور.
س3: وإذا لم يجز شراء ما يعرض منها للبيع فهل يجوز دفع المال لغرض استنقاذها؟ والجواب: يجوز ولكن لابدّ من إعادة ما يستنقذ منها إلى المتحف كما تقدم.
س4: هل يختلف الحكم في الموارد السابقة بين الآثار الاسلامية وبين غيرها؟ والجواب: لا فرق بينهما في ما تقدم من الأحكام.
ويضاف إلى ما سبق أن هدم آثار الأمم السابقة في بلاد الإسلام وإهمالها، قد يشكّل ذريعةً لغير المسلمين لهدم الآثار والمساجد الإسلامية أو إهمالها والاعتداء عليها في بلاد غير المسلمين، مما يخلق مشكلات عدة قد تصل إلى حد الفتن الطائفية والحروب الداخلية أو بين الأمم.