الطلاق العاطفي: مخاطر ومحاذير

ظاهرة الطلاق العاطفي لم تلق الاهتمام المطلوب على الرغم من شيوعها في الحياة الأسرية المعاصرة، ويمكن تعريف الطلاق العاطفي، بأنّه حالة الانفصال الوجداني الناشئة بين الزوجين، والقطيعة النفسية الواقعة بينهما، وما ينشأ عن ذلك من بُعد كُلّ منهما عن الآخر في أغلب أمور الحياة اليومية، وغياب روح التوافق على قواسم مشتركة بينهما في المسائل المصيرية المتعلقة بالتصرف والبرمجة والتربية وبناء العلاقات، بسبب التناقضات الصارخة في السن أو في الذوق أو في الميول أو في الطباع أو في المستوى الثقافي والاجتماعي..تناقضاتٌ تؤدّي بهما الى حالة من التنافر الدائم والتشنج المُتجدّد، وتُعرّضهما لدوّامة من العنف النفسي واللفظي، وأحياناً الجسدي، ويطغى على حياتهما التدمير المتبادل للروح المعنوية والقيمة الرمزية لكليهما، دون ان يصلا الى الطلاق المباشر لاعتبارات عديدة، لعلّ منها الخوف من تردّي وضع الأبناء والاحساس بالاحراج أمام المجتمع وعدم الاستعداد لمواجهة اجراءات الطلاق وتحمل تبعاته المختلفة، لذلك تستمرّ علاقة الزوجين فقط من الناحية الشكلية وهي محكومة بقاعدة القطيعة العاطفية والتأزيم المتبادل.
والطلاق العاطفي نوعان، الأول يكون فيه الزوجان واعييْن بما هما عليه، وبما يعيشانه من تدهور في بيئتهما العاطفية على النحو الذي فصّلته.. أما الثاني فيكون فيه طرف واحد- وغالباً ما تكون المرأة- غير راض على وضعه العاطفي لاصطدامه بتناقضات شتّى مع شريكه، ولشعوره باهتزاز انسجامه معه وفقدانه لثقته، غير أنه يظل متكتّماً على ما يعيشُه من مشاعر، مُخفياً ضيقه بطبيعة علاقته غير المتوازنة اجتنابا للوقوع في الطلاق المباشر.
ونظراً للعوامل الثقافية والاجتماعية الكثيرة التي تحُول دون القطيعة النهائية بين الزوجين، فقد شهدتْ ظاهرة الطلاق العاطفي بنوعيها المذكورين انتشاراً خطيراً.
إن تضخيم خطورة الطلاق المباشر والانذار بنتائجه الكارثية مقابل السكوت عن مخاطر الطلاق العاطفي والافصاح عن تأثيراته المفجعة في جميع أفراد الأسرة الواحدة خصوصاً الأبناء، يُعدّ تهرّباً من مواجهة مشكلات الأسرة العاطفية، وعجزاً عن تبيّن الحلول الملائمة لها.
إن ما يخلقه الطلاق العاطفي من مآس جمّة في الحياة الأسرية وفي ظلّ عجز الأزواج عن صياغة رؤية واضحة في التوافق والتعايش والاحترام وفق روح الشريعة الاسلامية في الامساك بمعروف أو التسريح بمعروف يجعل اللجوء الى الطلاق المباشر على أرضية من التفاهم بين الزوجين على الاستمرار في تحمّل مسؤولية رعاية الأبناء وتربيتهم بعيداً عن التجاذب والصراع أمراً معقولاً ما لم يتمكنا من حل أوضاعهما الزوجية بالصورة السليمة.