مع الزهراء عليها السلام


مثّلت سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام النموذج الأمثل للمرأة المسلمة، المرأة في انسانيتها وصيانة شخصيتها وحفظ كرامتها ودورها الفاعل علمياً وتربوياً وايمانياً واجتماعياً، فقد حازت كمال العقل وجمال الروح وصفاء القلب، فشعَّ نورُها الأزهر حكمةً وخلُقاً وعًلماً.
قال الدكتور علي حسن ابراهيم: (وحياة فاطمة هي صفحة فذة من صفحات التاريخ، نلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس أو كليوبترة استمدت كل منهما عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر... ولكنا أمام شخصية استطاعت ان تخرج الى العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء، وانما تجارب الدهر المليء بالتقلبات والمفاجآت، وجلال ليس مستمداً من مُلك أو ثراء وانما من صميم النفس).

المرأة في العهد النبوي:
ومن واقع حياة السيدة الزهراء عليها السلام، والسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها، وغيرهما من بيت النبوة وخارجه، علاوة على مشاركة المرأة في بيعة العقبة الثانية وبيعات أخرى، وحضورها الفاعل في الحركة العلمية والثقافية والعسكرية والاجتماعية، فلن يكون من الانصاف ان ننظر الى دور المرأة على العهد النبوي نظرة ساذجة وسطحية في مجال التنمية الاجتماعية (أي التحرك الاجتماعي الواعي المنظّم والمنسّق على مختلف الصّعُد، المادية والمعنوية، نحو الأفضل انسانياً)، وأن نعتبر ان ما نُقل الينا يعبّر عن مواقف فردية طارئة، ولا يعكس وجود مشاركة حقيقية في التنمية الاجتماعية التي شهدها مجتمع المدينة المنورة.

المساواة في الانسانية:
بل لابد ان نعي كمسلمين أنه لا يمكن تحقيق أية عملية تنموية اجتماعية متكاملة في ظل النظرة الدونية للمرأة بما لا يجعلها متساوية في الانسانية مع الرجل، وفي ظل اعتبار دورها التنموي دوراً هامشياً يسد بعض الفراغات هنا وهناك، كما لا يمكن تفعيل دور المرأة الاجتماعي ما دام البعض يتمسك بالنص الديني الموجَّه لصالح الرجل لا لصالح المجموع الاجتماعي.

مشاركة حقيقية:
فالتنمية الاجتماعية عملية انسانية لا يحدّها الجنس (ذكر/ أنثى)، والمرأة في التصور الاسلامي عنصر أساس في هذه المسيرة، وبدونها ستبقى العملية بتراء غير فاعلة، واذا كان العالم قد أدرك متأخراً هذه الحقيقة، فان الاسلام قد سبقه بقرون مديدة حينما جعل المرأة عدل الرجل في الولاية الاجتماعية {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة:71]، ومنحها كل ما يحقق لها مشاركتها في القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الا ان المجتمعات الاسلامية تنازلت عن هذه الركيزة المهمة، وغلَّبت العادات والأعراف، وقرأت النصوص الاسلامية قراءة ناقصة أدّت الى تعطيل الدور الحقيقي لشريكة الرجل، فكان ذلك عاملاً مهماً في التأخر الذي تشهده مجتمعاتنا على صعيد التنمية الاجتماعية المستدامة.
اذا أدركنا ما سبق سنصل الى نتيجة حتمية وهي: أنه لابد ان تكون المرأة في الاسلام محوراً مهماً في التنمية وركنها الركين، ولن تستطيع أية عملية تنموية ان تتحق صدقاً الا اذا أعطتها مكانتها الانسانية الطبيعية.
ومتى ما تأصّل الثبات في شخصية المرأة، والاطمئنان في قلبها، والأمل بالمستقبل في وجودها، فانها ستمنح كل المسيرة الاجتماعية طاقة كبرى، وتهيئ لها كل مقومات المسيرة الصالحة المستدامة.