هل أنت جعفري؟ الشيخ علي حسن

يتشرف الفرد الشيعي بانتمائه إلى مدرسة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، والتي تمثل الامتداد لمدرسة جده النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتمثل تبياناً وتفصيلاً للقرآن وللسنة النبوية على مستوى العقيدة والشريعة والأخلاق.
ولذا فإنه يفتخر حقاً بأن يقال له: هذا جعفري.. كما يشعر بالفخر لو قيل عنه: هذا مسلم.. ولكن من الضروري جداً أن يسأل نفسه أيضاً عن مدى مصداقية هذا الانتماء وكيفية تحققه؟ خاصة الشاب المتحمس لانتمائه لهذه المدرسة، حماسةً قد تبلغ في بعض الأحيان حد التعصب للانتماء إلى مدرسة علي والحسين وجعفر عليهم السلام، دون أن نجد عند كثيرين منهم التزاماً عملياً واضحاً بمضامين ورسالة تلك المدرسة وأخلاقياتها ومنهجها على مستوى السلوك.
تبرير مرفوض:
قد يبرر البعض مثل هذا التعصب، باعتباره سمة لهذا العمر، إلا أن هذا لا يعفي الشباب من المسؤولية: (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)[القيامة:14-15]، في الوقت الذي نؤكد فيه أن الخطاب الديني أيضاً يتحمل جزءً من المسؤولية حين يركّز على أن الانتماء فقط هو الكفيل بالنجاة في الآخرة، ويقابله التهوين من شأن ما يصدر عن الفرد على قاعدة: (سوّدتُ صحيفة أعمالي.. ووكلت الأمر إلى حيدر) وهي العبارة التي لربما لم يقصد قائلها المعنى المتبادر إلى الذهن من الاكتفاء بالانتماء كعنوان واسم دون الالتزام بالمنهج.
ومن المفترض أن يكون من مسؤولية الخطاب الديني أن يقدّم الصورة المتكاملة لحقيقة الانتماء والولاء، ويرفع اللَّبس الحاصل عند الشباب وغيرهم، لاسيما وأن الصورة القاصرة أوفق بالأهواء النفسية، وأقرب إلى المزاج الشخصي.. كما أن من مسؤولية الخطاب الديني أيضاً أن لا يدفع نحو المزيد من التعصب، لأن التعصب لا يولّد إلا التعصب، ومن ثم التصادم مع الآخر المختلف، ورفض ما يقوله الآخر وإن كان حقاً.. إلخ.
فصل الإيمان عن العمل:
ومحور المسألة هو: هل يمكن بحال من الأحوال فصل الإيمان عن العمل، والعقيدة عن السلوك؟ عندما نستقرئ آيات القرآن الكريم نجد أنها لا تساعد على ذلك، بل وتؤكد عدم الفصل، باعتبار أنه قانون إلهي طوال تاريخ الرسالات السماوية: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً، لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا، وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)[النساء:122-124].
وليلاحظ القارئ الكريم حجم التأكيد على العمل الصالح المقترن بالإيمان وعدم الانفصال بينهما، وليلاحظ الأسلوب في بيان امتناع تحقق خلاف ذلك، وأنها مجرد أوهام تسري في أذهان البعض من المسلمين وأهل الكتاب.
عقيدة الإرجاء:
والحق أنه لا يستقيم الفصل بين العقيدة والعمل إلا وفق عقيدة الإرجاء التي حاربها أهل البيت عليهم السلام.. وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (بادروا أولادكم الحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة).
هذه العقيدة تأخذ اليوم صوراً مختلفة، منها ادّعاء أن المهم هو طهارة القلب والروح والفكر، وأما ما يصدر عن الجوارح فهو ليس بذي أهمية، ومن هنا يبرر بعض الشباب عدم التزامهم بالصلاة مثلاً، أو عدم التزام الفتاة باللباس الشرعي، بأنها شكليات، والمهم هو المضمون وسلامة القلب.
ومنها ادعاء كفاية الولاء والحب لأهل البيت عليهم السلام، تمسكاً بدلالة بعض الأحاديث وإهمالاً لدلالة آيات وأحاديث كثيرة تقيّد تلك الدلالة وتضع لها الضوابط.. وقد حذّر أمير المؤمنين علي عليه السلام من ذلك حيث قال في خطبة طويلة: (.. فإنّ أمْر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرآن: ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه، قد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان: كلام عام وكلام خاص مثل القرآن..).
وقد وقع نفس هذا الوهم من قبل، فقد سئل الصادق عليه السلام: (روي عنك أنك قلت: إذا عرفت فاصنع ما شئت! قال عليه السلام: بلى. قال: وإن زنى وإن سرق؟ فقال له: ما أنصفتمونا أن كُلِّفنا بالعمل ووُضِع عنكم. قال: إذن كيف أقول؟ قال: قل: إذا عرفت فافعل ما شئت من قليل الخير وكثيره فإنه يرجع عليك).
الجعفري الحقيقي:
إن الجعفري الحقيقي هو مَن كان مثل أصحاب الصادق، مثل ابنِ أبي يعفور وأبي كهمس وفُضيل سُكَّرة الذين ـ بحسب رواية الشيخ الصدوق ـ بكوا حين رُدَّت شهادتهم من قبل القاضي بسبب انتمائهم إلى مدرسة الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ولما سئلوا عن سبب بكائهم بيّنوا أن ذلك خوفاً من عدم بلوغهم مستوى من الإيمان والعمل الذي من خلاله يستحقون هذا اللقب. الجعفري الحقيقي هو الذي يسعى لأن يكون كما قال إمامه جعفر الصادق عليه السلام حين قيل له: (إنّا نُعيّر بالكوفة فيُقال لنا جعفريّة، فغضب أبو عبد الله عليه السلام ثمّ قال: إنّ أصحابَ جعفر منكم لقليل، إنّما أصحابُ جعفرٍ مَن اشتدّ ورعُه، وعمل لخالقه).
وأخيراً فإن الجعفري الحقيقي هو الذي يأخذ بوصية إمامه جعفر الصادق عليه السلام كما في الحديث الصحيح عن أبي أسامة زيد الشحام قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: (اقرَأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي: السلام، وأوصيكم بتقوى الله عزوجل والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود وحسن الجوار فبهذا جاء محمد صلى الله عليه وآله. ادُّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها بَراً أو فاجراً، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر بأداء الخيطِ والمِخيَط، صِلوا عشائرَكم واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدَق الحديث وأدى الأمانة وحسُنَ خلقُه مع الناس، قيل هذا جعفري، فيسرَني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل هذا أدبُ جعفر، وإذا كان على غير ذلك، دخل عليَّ بلاؤه وعارُه وقيل هذا أدب جعفر،. فوالله لحدّثني أبي عليه السلام أنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه السلام فيكون زينَها، آداهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقَهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعُهم، تُسأل العشيرةُ عنه فتقول: مَن مثلُ فلان؟ إنه لآدَانا للأمانة وأصدقُنا للحديث).