زينب مع الحسين وبعده - يوسف نور الدين

زينب رفيقة الحسين في دربه، وحاملة قضيّته من بعده.
معه تجشّمت الصعاب، وتجرّعت الآلام، كان بها مع كلّ جرح من جراحاته جرح، ومع كلّ أنّة من أنّاته أنّة، ومع كلّ ألمٍ من آلامه ألم، ومع كلّ سيف ناله نال منها مقتلاً، وكلّ سهمٍ أصابه أصاب منها موضعاً، تُصرع مع كلّ صريع، وتُستشهد مع كلّ شهيد.. وبعده حملت صرخته المدوّية في الآفاق، وأحيت جراحه النازفة مع الزمن، وأبقت آلامه المبرّحة حيّة في مسمع الأجيال.
معه كانت الأخت الحنون، واليد الحانية، والعين الراضية، يبثّها أشجانه، وترعى شؤونه، وتؤنس وحشته، وتبدِّد غربته.. وبعده كانت اسمه المتردّد، وكلمته الحيّة، ونوره المشعّ، وضياءه المنتشر، ومشعله الوضّاء، ومداه الرحب، ورايته العالية، وعَلَمه الخافق.
معه كانت ينبوع الرأفة، وجدول العاطفة، وشعاع الرقّة، وطيف المحبّة، وظلال الرحمة، ونسيم الثقة، وعبق الراحة.. وبعده كانت بحر الوفاء، ونهر العطاء، وقلعة الصمود، وحصن الثبات، وجبل الصبر، وصخرة الصدود، وشلال العزّة، وعلياء الإباء.
معه كانت الدمعة الساكبة، واللهفة اللاهبة، والأنّة الحارقة، والقلب المتوجّع، والحشا المتألّم.. وبعده كانت الصرخة الهادرة، والحجّة الدامغة، والبيان الصارخ، والحرف المضيء، والكتاب الناطق، والخطاب الفاصل.
معه كانت مصداق الإنسانيّة، وعنوان الأخوّة، وتعبير الرسالة.. وبعده كانت معنى البطولة، ورمز العنفوان، وأنشودة الكرامة.
كانت معه حسيناً أبيّاً، وحسيناً ثائراً، وحسيناً رافضاً للظلم، وحسيناً داعياً للحقّ؛ وكانت بعده حسيناً ناطقاً بالحقّ، كاشفاً للحقيقة، مفتّحاً للعيون، محرّكاً للقلوب، مجدّداً للدرب، راسماً للطريق.
خاض الحسين كربلاء بإبائه، وخطّها بدمائه، وأرّخها بجراحه؛ وخاضتها زينب بإنسانيّتها، وأكملتها بصبرها، وأطلقها في المدى بكلمتها وحرّكتها مع الزمان بعزّتها.
لقد قضى الحسين في كربلاء في يومٍ من الأيّام، وفي عزلة من المكان؛ لكنّه مع زينب صار كلّ يوم عاشوراء، وكلّ أرض كربلاء.