الزواج المدني 2 من 2 جعفر محمد حسين فضل الله


الشروط غير البنيويّة (الالتزامات):
 هناك قاعدةٌ عقلائيّة يتبنّاها الشرعُ الإسلامي، وهي «المؤمنون عند شروطِهِم»، وهي تشرّع الباب أمام مبدأ حرّية الالتزامات ووجوب الوفاء بها شرعاً؛ لكنّ الفقه الإسلامي أضافَ قيداً، «إلا شرطاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً»، أي أن لا تكون الشروط مناقضةً لأحكام الشريعة، أو توجبُ تغيير التشريع إلى ما يخالفه.
ولعلّ بإمكاننا هنا أن نميّز بين نوعين من المواد القانونية الواردة في مشروع قانون الزواج المدني:
النوع الأوّل: الشروط الحُكمية؛ وهي التي لها في الإسلام حكمٌ محدّدٌ مُبرمٌ في الشريعة لا علاقة له بخيارات المكلّف، ومثالُه:
1ـ الإرث حيث للإرث في الإسلام نظامٌ خاصٌّ خاضعٌ لرؤية وفلسفة خاصّة، فلا يصحُّ للمُسلم الالتزام بما يناقضه. نعم، يفتحُ الشرعُ الإسلامي باباً للتصرُّف في حالتين؛ لكنّه تصرُّف اختياريٌّ لصاحب المال:
‌أ. التمليك في حالة حياة صاحب المال، فللإنسان الحرية في أن يملِّكَ أفراد عائلته في حياته بأيّ طريقة يشاء.
‌ب. حالة التمليك ما بعد الحياة، ويُصطلحُ عليه بالوصيّة، وتنفُذُ الوصية التمليكية في الشرع بنسبةِ ثُلثِ التركة، ويوزّع الثلثان بحسب نظام الإرث، إلا أن يرضى الورثةُ بتنفيذ وصية الميت كما هي.
2ـ الطلاق، حيث يربطُ الفقه الإسلاميّ بين القوامة (الإدارة) وحقّ الطلاق، وبالتالي فهو بيد الزوج؛ ولذلك فلسفة ليس هنا مجالُ التوقّف عندها؛ إلا أنّه ـ مع ذلك ـ:
‌أ. يُمكنُ أن تشترط المرأة أن يكون لها إمكانية تطليق نفسها، مطلقاً أو بشروط، ضمن عقد الزواج، أو أن يمكّنها الزوج من ذلك ابتداءً، ضمن صيغ لذلك، قد تختلف بين الفقه الإسلامي السنّي أو الشيعي.
‌ب. لا يُلغي ذلك أصل المبدأ، وهو امتلاك الزوج حقّ الطلاق من جانبِه.
‌ج. لو طلّق المُسلمُ العاقد مدنياً قبل مضيّ الفترة المسموح بها للطلاق في العقد المدني، لصحَّ طلاقُهُ شرعاً، ولترتّبت عليه آثارُه الشرعيّة من البينونة وغيرها.
‌د. لا يحصل الطلاق إلا بصيغته المعتبرة شرعاً، كمسألة الشهود وغير ذلك.
‌هـ. في مبرّرات الطلاق كلامٌ بين الشرع والقانون، فقد يتّفقان على بعضها وقد يختلفان.
‌و. نُشيرُ هنا إلى أنّ للزوجة ـ في الشرع الإسلامي ـ أن ترفع أمرها إلى القضاء الشرعي في كثير من الحالات الموصوفة في مشروع الزواج المدني، ويملك القضاء حقّ تطليقها رغماً عن إرادة الرجل إذا امتنع عن الطلاق والإصلاح؛ ويُمكنها أن تختلعه إذا تحقّقت شروط الخُلع.
3ـ سنّ الزواج. في المبدأ يُمكن لجهة ما، حتّى لو كانت شرعية، أن تشترط سنّاً معيّنة لإجراء عقد الزواج؛ كما في اشتراط إجراء العقود بإجراء الفحوص الطبّية التي فرضتها الدولةُ؛ لكنّها لا تستطيع الحُكم ببطلان زواج البالغين شرعاً ممّن هم تحت 18 سنة ميلادية (القاصرين بالمعنى القانوني) إذا حصلَ بشروطِه المعتبرة؛ بل قد لا تملك حقّ اشتراط ذلك؛ لما فيه من المفاسد قياساً بالرؤية العامّة للزواج في الإسلام.
النوع الثاني: الشروط التي هي من قبيل الحقوق الشخصيّة؛ كما في الأمثلة الآتية:
1ـ حقّ الحضانة؛ حيث يختلف الشرعُ عن القانون، في إتباع الحضانة للقوامة (الإدارة) التي هي بيد الزوج في غير المدة المحتاج إليها في عالم الأمومة، وهي فترة مُختلف فيها بين المذاهب الفقهية الإسلامية، لكنّ هذا الحقّ قابل للإسقاط من الطرفين، بحيث تتنازل الأم عن حضانتها لمصلحة الأب، أو بالعكس، أو يتّفقان على أمر آخر. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ حقّ الحضانة هو أيضاً جزءٌ من فلسفة ورؤية موضوعية إسلامية، ولا تعني أبداً الفصل التام عن أحد الأبوين في حال كون الحضانة مع الآخر.
2ـ حقّ النفقة، حيث يجوز لمن ثبتت له أن يُسقطها ويحلّ الآخر من التزاماتها.
3ـ الإنفاق المُشترك على الحياة، حيث يجوز لمن لا يَلزمُه ذلك شرعاً أن يوجبه على نفسه بمقتضى التزام الشرط.
4ـ التعويض المالي عن العمل البيتي، حيث في الإسلام لا يجب على الزوجة أن تعمل في البيت، ويجوز لها أن تطلب أجراً مقابل عملها، بل لها ذلك أيضاً مقابل الإرضاع، وهناك تفاصيلُ كثيرةٌ في هذا المجال.
مما سبق أردنا أن نوضحَ الوجهة العامّة التي يُمكن أن يتحرّك فيها الجدل الشرعي والقانوني، حول بعض المسائل الأساسية، كمنحى موضوعيّ عقلانيّ هادئ في عرض وجهات النظر في المسألة، التي تحتّم على الجهات المعنيّة بالتشريع أن تفهم تعقيداتها التشريعية في الفقه الإسلامي، في المذهب الواحد فضلاً عن تعدّد المذاهب، حينما تُريد طرح مسألة من هذا النوع؛ وأنّه لا يُمكن مقاربة المسألة عبر التراشق بالكلمات الفضفاضة أو الحادّة؛ كما أنّ مدنية الزواج في الإسلام تعني أمراً محدداً، ولا تعني شرعية المشروع المطروح للزواج المدني.
 ونؤكّد أخيراً على أنّ ما سُقناه آنفاً، يسمح برؤية حيوية الحراك الاجتهادي ضمن المجال الفقهي الإسلامي، في ما يتعلّق بالزواج الشرعي وشروطه، الذي أنتج كثيراً من الحلول في المساحات الزمنية السابقة، لكثير من المشكلات التي كانت تبرز إشكاليات لها مع تعقيدات الحياة وتطوّر الزمن، وبما جعل الحاجة إلى نظام زواج بديل غير ذات موضوع من الناحية العمليّة والواقعيّة إلى حدّ كبير.