الإمام الحسن بن علي العسكري عمار كاظم


الإمام العسكري عليه السلام عاش كما عاش آباؤه من أئمة أهل البيت عليهم السلام في موقع الإمامة من أجل فتح عقول الناس وقلوبهم على الإسلام الأصيل الذي انطلق به رسول الله صلى الله عليه وآله، وسار فيه أئمة أهل البيت، باعتبار أنهم أمناء الله على الرسالة، ولأنهم خلفاؤه الله في أرضه، وحججه على عباده.. وقد تتلمذ عليه الكثيرون من الرواة والعلماء، وأثّر في مجتمعه بالرغم من حداثة سنه تأثيراً كبيراً جدّاً، حتى أنَّ أعداءه كانوا يشهدون له بما يشهد له به أولياؤه. فهذا وزير الخليفة المعتمد عبيد الله بن خاقان، يقول لابنه، عندما سأله عن سبب تبجيله واحتفائه الخاصّ بالإمام عندما زاره في مجلسه، حيث رآه قد قام ومشى إليه، وقبّل صدره ووجهه، وأجلسه إلى جنبه، وجعل يكلّمه ويفديه بنفسه: (ذاك إمام الشّيعة الحسن بن عليّ الهادي، المعروف بابن الرّضا. إعلم يا بنيّ، لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقّها أحد غيره، لفضله وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه. وهكذا كان والده، وهكذا كان أجداده. هو من أهل بيت زقّوا العلم زقّاً).
إن الإنسان الذي يلتقي أعداؤه وأولياؤه على تعظيمه ومدحه والثناء عليه، هو إنسانٌ استطاع أن يقتحم عقول الناس وقلوبهم بكلِّ ما يرفع ثقافتهم، وما يؤكّد الخيرَ والعلم والعدلَ في حياتهم كلّها، لأنَّه لا يمكن أن يلتقي الناس على شخص إلاَّ إذا استطاع أن يفرض نفسه عليهم بكلّ الطاقات العلمية والروحية والأخلاقية التي تتمثّل فيه.
وفي سيرته عليه السلام أنَّه بلغ عدد الرواة عنه 149 حدّثوا عنه بلا واسطة مع الاختلاف في وثاقتهم ومنازلهم، ما يدلُّ على اهتمام المجتمع الثقافي آنذاك بالمكانة العلميّة التي يمثّلها الإمام الحسن العسكري، لأنَّ الرواة ليسوا مجرّد أشخاص يسألون، بل كانوا يمثّلون أساتذة المجتمع في الثقافة الإسلاميّة، ومواقع المعرفة فيه.
لقد عاصر الإمام الحسن العسكري فترةً حرجة من الصّراع مع السلطة العباسيّة، تميّزت بتراخي قبضة الخلافة على السّلطة، وضعف الدّولة العباسيّة آنذاك، ومع ذلك، زاد الضّغط والتّضييق على الإمام وقاعدته الشعبيّة، لخوفها من تعلّق النّاس به. وزاد من هذا انتشار الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنّ الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام ـ الذي سيخرج ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويعيد الحق إلى نصابه ـ سيكون ابن الإمام الحسن العسكري. لهذا، عاش الإمام تجربةً مريرةً مليئةً بالمعاناة، كانت تهدف إلى عزله عن النَّاس، والحدّ من أيِّ نشاطٍ قد يقوم به.
فقد كان له من العمر سنتان، حين فرض الخليفة المتوكّل على أبيه الإمام الهادي عليه السلام ترك المدينة المنوّرة، والحضور قسراً إلى سامرّاء والبقاء فيها، وقد عاش الإمام العسكريّ في هذه المدينة مع أبيه عشرين سنة، وحمل أعباء الإمامة ستّ سنوات.
هذا هو الإمام الحسن بن علي العسكريّ، الّذي ملك قلوب النّاس، محبّين وأعداء، حتّى أسبغوا عليه صفات ونعوتاً، منها الإمام الزّكيّ، والنّقيّ، والسّراج، والرّضيّ، والهادي، والتّقيّ، فسلام الله عليه حياً وميتاً.