مفهوم العلم والعلماء في القرآن 2 من 3 د. علي حسين عبدالله

أغلب الآيات التي تتكلم عن العلم هي لمعرفة الله، ونجد في الآيات ربطاً بين العقل ومظاهر الطبيعية، وذلك من خلال ملاحظة تسخير الشمس والقمر واختلاف الليل والنهار وحركة الرياح ووجود البرق وعلاقتها بالعقل وبالتفكر والتأمل في قدرة الخالق.
أولاً، معرفة الله:
(وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الروم:24].
ثانياً، التنبيه على اليوم الآخر:
(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)[الرعد:2]
ثالثاً، قوة المؤمنين وعزتهم في الحياة:
(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)[الأنفال:60].
تصنيف العلم في القرآن:
أولاً، العلم بمعناه المطلق الذي يشمل كل علم، وقد استعمل في مثل قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1ـ5]. وفي بداية حياة الإنسان يقول: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا)[النحل:78]، وفي نهاية حياته يقول: (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا)[النحل:70] فكلمة (شئ) وكلمة (علم) كلمات عامة.
ثانياً، العلم الديني المرتبط بالعقيدة: (لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ)[النساء:162].
ثالثاً، العلم بمعناه التخصصي: كلمة العلم تأخذ تصنيفات مختلفة، فهناك نوع من العلوم تكون هبة من الله لبشر لهم ميزات خاصة كما حدث للعبد الصالح وللأنبياء عليهم السلام، وعلوم أخرى ممكن تعلمها، وهو سبب للتطور الحضاري عبر التاريخ البشري.

(أ) علوم موهوبة: كما في قصة العبد الصالح مع سيدنا موسى عليه السلام: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا، قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)[الكهف:65]. ومنها العلم الخارق للقوة المألوفة: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)[النمل:40].
(ب) علوم مكتسبة ولها علاقة بالماديات في الحياة والطبيعة:
1ـ فنون القتال والحرب: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)[البقرة: 247]. ما هو نوع العلم الذي أعطاه الله لطالوت؟ لا يمكن أن يكون علم الدين لأن نبيهم أخبرهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً. هنا العلم يحدده السياق والمقام وهو العلم بشؤون الحرب والفنون العسكرية وإدارة المعارك.
2ـ علم الاقتصاد والتجارة والكسب المادي: كما قال قارون: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)[القصص:78].
3ـ علم الصناعة: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ)[الأنبياء:80].
4ـ علم الحساب والفلك: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[يونس:5].
5ـ علم السحر: (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)[البقرة:102].
6ـ مختلف مظاهر الطبيعة: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر:27-28].
إذن كلمة العلم من وجهة نظر القرآن تشتمل على كل ألوان العلوم بل تعتبرها أجزاء لحقيقة واحدة. ومع الأسف لا زال البعض يقول أن كل آيات القرآن وأحاديث الرسول الكريم التي تتكلم عن فضل العلم والعلماء إنما تنحصر في العلم الديني وحده، وفي علماء الدين دون غيرهم.