خطبة الجمعة 5 ربيع الثاني 1434 ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : البحث عن الراحة النفسية


ـ في وصية النبي الكرم(ص) لأبي ذر الغفاري(ره) أنه قال: (انظُر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإنه أجدر ألا تزدري نعمة الله عليك).
ـ هذه الوصية تتضمن وصفة الراحة النفسية إلى كل إنسان يعيش المقارنة بينه وبين الآخرين، ممن يفضُلون عليه في المال أو الجمال أو الجاه أو الذرية أو غير ذلك ويعيشون من خلال ذلك معاناة متنوعة:
1ـ الحسد للآخرين ولو على مستوى التمني لزوال النعمة منهم فقط، وهذا بحد ذاته يفسد صفاء الروح، ويقحم النفس في نار لا تهدأ حتى تُحرق صاحبها من الداخل، ولربما ألحقت الأذى بالآخرين.
2ـ الإجهاد البدني على حساب حق الله وحق الأسرة وحق البدن، لأجل كسب ما يمكّنه من بلوغ مرتبة مساوية أو متفوقة على الطرف الآخر، دون مبرر عقلائي.
3ـ اللجوء إلى الطرق غير المشروعة وغير القانونية بهدف تحقيق المكاسب السريعة على المستوى المالي أو الشهرة أو النفوذ أو غير ذلك.
4ـ اللجوء إلى استخدام وسائل مضرة تلحق الأذى بالفرد، من قبيل إبر الهرمونات التي يتعاطاها بعض الشباب، وعمليات التجميل غير المبررة التي تلجأ إليها بعض الفتيات، وغير ذلك.
5ـ إذلال النفس من أجل الحصول على مكاسب معينة، كما نشهد ذلك في تصرفات بعض المرشحين ممن يذلون أنفسهم من أجل الحصول على بعض الأصوات.
ـ إن هذا القلق النفسي الدائم الناشئ من المقارنة مع من هو أعلى مستوى في بعض الجوانب، يعرّض الإنسان إلى الوقوع في خطر الاستهانة بنعم الله عليه والكفر بها، وقد قال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) أي بنعمي (إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7] وقد يكون في الدنيا وفي الآخرة.
ـ ولعل السؤال المتكرر هنا حول تعارض هذه الوصية مع أهمية أن يكون للإنسان طموح يتطوّر من خلاله، ويطوّر الحياة من حوله، فهل الإسلام ضد طموح الفرد؟ إن القاعدة التي قدّمها أمير المؤمنين علي(ع): (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) تؤكد بشكل لا يقبل القدح أن الإسلام يدفع إلى الطموح والتطوير، دون أن يتحوّل الإنسان من خلال هذا السعي إلى ماكنة لا حياة فيها ولا قيم لها ولا تنظر إلا إلى زاوية واحدة من مشهد الحياة الرحب بتنوع المسؤوليات الملقاة على عاتق الإنسان، ولا تقوم على أساس حقيقة الحكمة من التفاضل التي انتظمت عليها الصورة الإجمالية لهذا الوجود المتنوع، ولا تبالي بالحياة الأخرى الخالدة والأصيلة التي تنتظر الإنسان بعد أن يختم وجوده في النشأة الدنيا، ولذا قال أمير المؤمنين(ع) بعد ذلك: (واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً).