مفهوم العلم والعلماء في القرآن 1 من 2 د. علي حسين عبدالله

النظرة الصحيحة إلى مفهوم العلم في الإسلام غير محصورة في العلوم الدينية فقط. تاريخياً كان المسلمون في القرن الأول للهجرة يتعاملون مع العلوم المختلفة على أساس أنها فروع لأصل واحد، ولكن عندما وهنت الأمة وتدهور وضعها السياسي وسُد باب الإجتهاد ضعف مفهوم العلم وانحصر في نطاق ضيق من العلوم الدينية.
وقد وقع المسلمون في إساءة استخدام مفهوم العلم، ووقع الغربيون في إساءة استخدام العلم، ولكن بطريقة أخرى ألا وهي فصل العلم عن الدين، وذلك لأسباب تاريخية خاصة، ومن الطبيعي أن لفصل العلم عن الدين أيضاً تبعاته السيئة، وجرّ على العالم الويلات من سوء استخدام العلم في الابتعاد عن كل ما له بعالم الغيب.
تصحيح مفاهيمي:
المطلوب من المسلمين إعطاء النموذج المناسب للعصر الذي نعيشه، وهذا النموذج يتمثل في عالِم يجمع بين الإيمان بالله والتعمق في التخصص الدقيق لهذه العلوم الطبيعية، كلٌّ في تخصصه ليتمكن من كشف ما في الكون من أسرار لفائدة الإنسان وعمارة الأرض.
الخطوة الأولى المطلوبة منا كمسلمين في هذا الاتجاه هو أن نرسخ ونؤكد أن التكريم والتقدير للعلم والعلماء الوارد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يشمل كل عالم مؤمن بالله بأي تخصص كان.. وتقع هذه المسئولية بالدرجة الأولى على علماء الدين.
أما إن أردنا تغيير النظرة للعلم عند الأجيال القادمة فهذا من واجبات وزارة التربية في جميع بلاد المسلمين.. إن تشجيع العلم وإعطاء الحرية الفكرية وترسيخ المفهوم الصحيح عن العلم يترك أثره على الحركة العلمية في بلاد المسلمين.
أمثلة للتكريم:
لنتصور معاً لو ترسخ مفهوم العلم الصحيح في أذهان المسلمين عندها سيشعر العالم في الكيمياء أو الفيزياء مثلاً أن الأحاديث الشريفة عن العلم والعلماء والآيات القرآنية تخاطبه فمثلاً الحديث الشريف: (مداد العلماء خير من دماء الشهداء).. ماذا يكون إحساس هذا العالِم من هذا التكريم وأي تشجيع للعلم عند المسلمين أكبر من هذا؟
وكذلك الآية (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر:27–28].. ألا تبين الآية خشية العالِم بالطبيعة من الله؟ ألا يعتبر هذا نوع من التكريم لهذه النوعية من العُلماء؟ إن تأمل ما دون الذرة من جسيمات والخلية الحية وما بها من أعاجيب وتأمل المجرة وما بها من عجائب وتأمل الكون كله يجب أن لا يمر على الإنسان العالِم مروراً عادياً، بل يجب أن يؤدي به إلى الخشوع فيعظم الخالق في نفسه.. هذا هو الوضع الطبيعي الذي يجب أن يعيشه العالِم المؤمن فيزداد إيماناً أكثر وأكثر حسب وصف القرآن لعلماء العلوم الطبيعية، وبالتالي لا يمكن لمثل هذا العالِم أن يسيء استخدام العلم في السيطرة على الآخرين أو تدميرهم!
نظرة على المفاهيم:
المفهوم العام للعلم: كل معرفة منظمة عقلية منطقية أو حسية تجريبية.
العلوم في الحضارة الإسلامية: معظم الذين بحثوا في مختلف العلوم كالطب (ابن سينا) والفلك (البيروني) والعلوم العقلية والطبيعية (الفارابي) كانوا يجمعون بين العلوم الطبيعية والشرعية والعقلية والإنسانية. أُطلق على هؤلاء مسمى علماء المسلمين، وكان المتخصص بالكيمياء يسمى عالماً كيميائياً وفى الفلك عالماً فلكياً وفى الفقه عالماً فقهياً وفى الحديث عالماً محدّثاً.
لكن عند الانحدار وأفول الحضارة تغير مفهوم العلم، ففي القرن الثامن الهجري طرحت أفكار من قبيل أن ما تشير إليه الآيات من علوم الطبيعة والفلك لم يعهده العرب، وبالتالي لا يصح حمل تلك الآيات على دلالات علمية.. واكتفى الناس فيه بالفقه وما إليه، وذهب البعض إلى القول بتحريم علم الطبيعة (الكون والحياة) والفلسفة بدعوى أنها تثير الشكوك.
وذم الكيمياء، وأنكر أبوبكر ابن العربي الاعتماد على الحساب الفلكي في ثبوت شهر رمضان علل ذلك لا لأنه باطل ولكن صيانة لعقائد الناس أن تعلق عباداتها بتداور الأفلاك ومواقعها! اما أن تعلم النجوم بقدر ما تعرف به أوقات الصلاة والقبلة فلا بأس به.
إن الخطأ الكبير تمثل في الحقيقة في التفريق بين نوعين من العلم، علم دنيوي وعلم أخروي، وصار للعلم الديني تمييز وتفضيل عند المتدينين.