حسبنا الله ونعم الوكيل

كثيرون هم الذين يرددون عبارة (حسبنا الله ونعم الوكيل) تعبيراً عن الانزعاج من أمر ما، ولربما قرنوا ذلك بصفق كف على أخرى، في إشارة إلى قلة الحيلة، أو (ما باليد حيلة).
ولكن الملاحظ أن الدلالة الصحيحة لتلك العبارة غالباً ما تكون غائبة عند استعمال تلك العبارة، وأنها يجب أن لا تكون محصورة للتعبير عن الانزعاج وقلة الحيلة فحسب، بل لبيان الأرضية التي من خلالها ينطلق الإنسان المؤمن في مواجهة التحديات والصعاب التي يواجهها في الحياة.
وهذا ما تبيّنه ـ وبوضوح ـ الآيات القرآنية التي منها أخذنا هذه العبارة:
ـ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آل عمران:173].
ـ (فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة:129].
فالله سبحانه الذي بيده كل شئ هو الذي يكفيني عمن سواه، في كل أموري، فأنا أتوكل عليه وأفوّض إليه أموري، ليهديني إلى ما يحقق لي أفضل النتائج لما هو خيرٌ لي، على المستويين الدنيوي والأخروي، ونعم مَن توكلتُ عليه.. فأنا أنطلق في التعامل مع تحديات الحياة ومتغيراتها من خلال ثقتي العظيمة بالله، لإيماني بأنه السميع البصير العليم الحكيم الذي له ملك السماوات والأرض وهو على كل شئ قدير.
وقد جاء في وصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله المروية لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: (يا أبا ذر، لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم: [وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا]).
نعم، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولكن ما أكثر الذين يلجؤون إلى بائعي الوهم من المشعوذين والدجالين، وما أكثر الذين يقيمون وزناً للأبراج وقراءة الطالع، حتى من المتدينين، بينما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام لمنجِّم أشار إليه بعدم السير في ساعة عزم الخروج من الكوفة لقتال الخوارج: (أما إنه ما كان لمحمد صلى الله عليه وآله منجّم، ولا لنا مِن بعده، حتى فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر، أيها الناس توكلوا على الله و ثِقوا به، فإنه يكفي ممن سواه).
إنهم حين يلجؤون إليهم إنما يقولون بأفعالهم: (حسبنا الأبراج ونعم الوكيل.. حسبنا المنجّم ونعم الوكيل.. حسبنا الدجال ونعم الوكيل).. ليؤكدوا بذلك ضعف ثقتهم وإيمانهم بالله العظيم وبصفاته الحسنى، وليخالفوا بذلك حقيقة قرآنية وهي أن على المؤمن أن يقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل) وأن يتفاعل مع متغيرات الحياة عملياً وفق دلالة ذلك الذكر العظيم.