خطبة الجمعة 27 ربيع الأول 1434 ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية : معاداة السامية


ـ يستغرب الانسان وهو يعيش في عصر العلوم والمعلومات والحداثة وما بعد الحداثة كيف يمكن لأسطورةٍ ما أن تؤسس لواقع سياسي مؤثر، بل وتتمركز حوله الكثير من السياسات والأحداث العالمية!
ـ بين أيدينا أسطورتان: أسطورة (شعب الله المختار) و(الهولكوست المهوّلة)، اجتمعتا لتشكّلان عنوان (معاداة السامية) ذلك السيف المسلّط على الرقاب، وأداة الابتزاز المثلى، لتحقيق المصالح الصهيونية.
ـ في ستينيات القرن الماضي عندما كان يقام استبيان في الولايات المتحدة حول النظرة إلى اليهود، فإن النتيجة كانت سلبية إلى حد كبير.. أما اليوم فالمسألة مقلوبة تماماً.
ـ وما كان ذلك ليحدث لولا الآلة الإعلامية التي نجحت في تحويل صورة اليهود من مجموعات مدمّرة ومفسدة في الأرض، إلى شعب مستضعف مظلوم، وعليك أن تفكر مليون مرة قبل أن تنتقده. تماماً كما نجح الإعلام اليوم في تحويل الرأي العام العربي من العدو الحقيقي المتمثل في الكيان الصهيوني إلى عدو مفتعل يتمثل تارة في إيران وتارة في المقاومة اللبنانية وتارة في الشيعة.. الآن خذ هذه الأمثلة:
1ـ قبل أيام نشرت صحيفة (الصنداي تايمز) البريطانية كاريكاتوراً لنتنياهو وهو يستخدم إسمنتاً ممزوجاً بالدّم في بناء جدار تتخلّله جثث فلسطينيّين وكتب عليه (الانتخابات الإسرائيليّة هل ستدعم عمليّة السّلام؟).
ـ وعلى الفور قام (مجلس نوّاب اليهود البريطانيّين) بتقديم شكوى باعتباره من صور معاداة السامية، ودافعت الصحيفة عما نشرته باعتباره موجهاً لشخص سياسي بعينه، ولكن صاحب الإمبراطورية الإعلامية (مردوخ) قدّم اعتذاره عن هذا الرّسم معتبراً إياه: (بشعاً وعدائيّاً وخطأً رهيباً).
2ـ شاعر ألماني حاصل في عام 1999 على جائزة نوبل للآداب واسمه (جونتر جراس) نشر قصيدة يتحدث فيها عن النفاق الغربي في التعامل مع الملف النووي الإيراني مقارنة بالترسانة النووية الإسرائيلية وفوراً تم رفع سيف معاداة السامية في وجهه والمطالبة بسحب الجائزة منه.
ـ الأبيات التي كتبها هذا الشاعر تلخّص الوضع العالمي القائم بشكل دقيق ومختصر.. ففي البداية يعطي لنفسه نوعاً من التبرير على الصمت في الفترة السابقة لوجود سيف مسلط مخيف عنوانه معاداة السامية: (كان الجميع صامتين.. حتى صار السكوت عن الحقيقة كذباً يئن بالأنين.. وكأني أرى عقاب البوح قهراً تحوّل لسيف الجرم اللعين.. أن أكون أنا للساميّة العدو المبين.. بوضوح أعترف.. لن أصمت بعد اليوم.. فقد سئمت نفاق الغرب).
3ـ ومؤخراً تم التهديد بفتح ملف الأديب الإنجليزي الأشهر (وليم شكسبير) ومحاكمته على أنه معادٍ للسامية، لأنه كتب قصة (تاجر البندقية) حيث يتعرض فيها إلى شخصية المرابي اليهودي الجشع.
ـ وهناك عدة أمور تستدعي الوقوف عندها تحليلاً لما سبق:
ـ أولاً، اختراع مصطلح (معاداة السامية) والذي تم قبل قرنين تقريباً من قبل باحث ألماني، منطلقه عنصري، وجاء كردة فعل على ممارسات اليهود الاقتصادية التي سببت أزمات حادة في المجتمعات الأوربية، ومن المفترض بالغرب الذي يحمل لواء إلغاء التمايز العنصري أن يحذف هذا المصطلح تماماً.
ـ ثانياً، إذا جئنا إلى نفس مصطلح (معاداة السامية) وحللناه، فإننا نجد أن من المفترض أن يكون العرب
هم المعنيون بالأمر أكثر من غيرهم، لأنّهم يشكّلون الأغلبيَّة السَّاحقة من الساميّين. ولكن هل يستطيع العرب توظيف ذلك إعلامياً ليحوّلوا الراي العام العالمي إيجابياً نحو قضاياهم؟ التجربة تقول : لا.
ـ ثالثاً، لم هذه الازدواجية في المعايير عند الغرب في شأن حرية التعبير؟ فعندما يهان النبي الأكرم(ص) بأبشع صورة، فالتبرير جاهز باعتبار أن ذلك من حرية التعبير، ويستمر العناد إلى أن نشهد المظاهرات والقتل والتفجيرات، ثم يظهر أحد القادة الغربيين أو السياسيين ليعبّر عن تفهّمه لموجة الغضب ولكنه في النهاية يقول أن على المسلمين أن يفهموا أن لدينا حرية تعبير ولا نستطيع منع ذلك!
ـ هذا جزء من النفاق الغربي الذي تحدّث عنه الشاعر الألماني.. وسيبقى هذا النفاق قائماً مادمنا ضعفاء ونستضعف أنفسَنا بأيدينا.. وسيبقى هذا النفاق مادامت الآلة الإعلامية بيد اليهود يوظفونها كما شاؤوا.. وسيبقى هذا النفاق ما دامت عجلة الاقتصاد العالمي يتلاعب بها أقطاب الربا من اليهود. لقد أسقط القرآن الكريم أسطورة (شعب الله المختار) إذ قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[المائدة:18]... ليس في الآخرة فحسب، بل في الدنيا أيضاً.. أي انظروا إلى تاريخكم، كم مرة دُمِّرتم ونزل بكم العذاب من عند الله حتى كدتم أن تُفنَوا؟ (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً، ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا، إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا، عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) الإسراء:4-8. وحقيقٌ بالعالم أن يعمل على تحرير نفسه من ربقة هذه الأسطورة، وتبعات أسطورة معاداة السامية والهلوكوست.. وعندها سيدرك الجريمة الكبرى التي تُرتَكب بحق الإنسانية طلباً لرضى الابن اللقيط (إسرائيل).